حوار مع الاستاذ عبد اللطيف اليوسفي حول قضايا التعليم

حوار مع الاستاذ عبد اللطيف اليوسفي حول قضايا التعليم
– من خلال تجربتكم بنيابتي الجديدة والدار البيضاء، ثم مديرا لأكاديمية جهة الغرب الشراردة بني احسن حاليا، كيف تقيمون وضعية قطاع التعليم ببلادنا؟ وهل لديكم اقتراحات للرقي بمنظومة التعليم بالمغرب؟
>  يجب التذكير بأن الأنظمة التربوية في الغالبية العظمى لدول العالم تعيش مخاضات وأسئلة صحية مهمة في البنيات والتصورات والتطبيقات، ويقع المغرب ضمن تلك المجموعات، التي كانت المسألة التعليمية دوما نقطة حارقة وبؤرة حامية من بؤر الصراع السياسي والثقافي، لذلك ظل الاختلاف قويا حولها وجوانب تقييمها مختلفة، إلا أن التوصل إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين فتح أفقا رحبا أمام المدرسة المغربية، وجعل باب الأمل في الإصلاح مشرعا، حيث أصبحت التربية أولوية وطنية، وهو الأمر الذي لم يؤخذ مأخذ الجد من قبل العديد من الأطراف، فقد أصبح التعليم همّا قطاعيا عوض أن يكون مسألة عرضانية تهم كافة القطاعات. وقد جاء تقرير المجلس الأعلى للتعليم لـ 2008 ليحدد الإنجازات ويرسم أفق المستقبل ، الشيء الذي سهل بناء البرنامج الاستعجالي بهدف تجديد نفس الإصلاح. واليوم يمكن القول بأن مجهودات كبيرة أنجزت على أرض الواقع لا تقبل الإنكار، مثل توسيع قاعدة التمدرس، وتوفير شروط الحق في التعليم وتوسيع الاستفادة من الدعم الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين، وتوسيع الإحداثات، وتأهيل نسبة عالية من المؤسسات، وإدخال تكنولوجيا الإعلام، وإرساء نظام الأكاديميات الجهوية والتقدم في اللامركزية واللاتمركز، وتعديل المناهج والبرامج والكتب المدرسية، وإحداث تغييرات عميقة على مستوى التقويم التربوي والامتحانات، وإرساء أسس الحكامة والتدبير. غير أن هذه الإيجابيات والتراكمات، التي حققت بفعل التعبئة، النسبية في مكونات المدرسة ومحيطها، ما زالت غير كافية ولا تجيب على طموحنا في الإصلاح الشامل والأفضل لمنظومتنا، فالإنسان دائما يسعى إلى الأجود والأفضل، وبالتالي فإن هناك عديدا من الأوراش ما زالت في حاجة إلى تعبيد طرقها حتى تكون سالكة نحو الجودة المرجوة، وفي مقدمة هذه الأوراش استكمال وتأهيل كافة المؤسسات، بما فيها الفرعيات في العالم القروي والتدبير الجيد والبعيد المدى لتكوين موارد بشرية تربوية وإدارية، وإحكام صيغ التكوينات المستمرة واستكمال آليات الحكامة الجيدة المعززة بجهوية متقدمة والمطبقة بشكل مرن ومفتوح لللامركزية واللاتمركز الدافق إلى آخر نقطة ممكنة.
إن أفق إصلاح المدرسة المغربية ممكن، ولا أمل نهائيا في تطوير بلد كالمغرب، دون إتمام واستكمال إصلاح منظومته التربوية وضمان التجديد المستمر لنفس الإصلاح، ذلك أن المصلحة الفضلى للأجيال المقبلة ولبلادنا بصورة عامة، إنما يسير قطارها بقاطرة أساسية وحاسمة، هي المدرسة، حيث تتزاوج التربية والتعليم. والمدخل الوحيد لهذا الإصلاح المنشود هو التعبئة الشاملة وتحمل المسؤولية من كافة الأطراف، بجعل التربية أولوية وطنية، قولا وفعلا ملموسا.
– بحلول الموسم الدراسي 2011-2012، نكون قد تجاوزنا نصف عمر البرنامج الاستعجالي، هل من تقييم أولي للحصيلة، خاصة على مستوى الجهة؟ وما هي المعيقات التي تحول دون تحقيق بعض الأهداف في ظل حديث عن خصاص نسبي في الأطر وترد في بعض البنيات التحتية بالعالم القروي؟
>  لا بد من التأكيد على أن البرنامج الاستعجالي، الذي استنفذ من عمره منتصفه، قد حقق في مجموع الأكاديميات الكثير من أهدافه وما زالت تنتظره الكثير من المجهودات، ليستكمل نفسه وقوته ويحقق كامل أهدافه. إن النتائج المحققة إلى حد الآن واعدة ومشجعة، وقد دلت الدراسات التقييمية، التي قامت بها الوزارة عبر آليات المتابعة والمصاحبة  على أن نسبة عالية من الأهداف وجدت طريقها السليم والسالك نحو التحقق بفضل المجهودات الجماعية، وبفضل الدعم الاجتماعي القوي، وكذا بفضل التجديدات التي عرفتها المقاربات البيداغوجية والوتائر التي عرفتها التكوينات. كما أن تأهيل نسبة عالية من المؤسسات وإحداث أعداد مهمة من المؤسسات الجديدة ساهم كله في تحقيق كثير من الانتظارات، ومع ذلك، فإن الوصول إلى الأهداف المسطرة ما زال دونه طريق طويل يستوجب الصبر والمثابرة والحزم لاستكمال ما تبقى من الخطوات، وهي بالتأكيد خطوات صعبة، ولكنها ليست مستحيلة على العزائم الوطنية.
أما على مستوى جهة الغرب الشراردة بني احسن، فقد مكننا تطبيق البرنامج الاستعجالي من أدوات وآليات وإمكانيات مادية مهمة لتحقيق كثير من الأهداف المسطرة، إضافة إلى بعض الإنجازات النوعية والعديدة، التي جاءت نتيجة للشراكات المتنوعة ولتسريع وتائر التكوين المستمر ولسيادة أجواء الثقة بين كافة الأطراف ولانخراط العديد من الطاقات والفعاليات التي تزخر بها الجهة، خاصة في برامج نوعية ترتبط بالدعم الاجتماعي والدعم النفسي والدعم التربوي أو العناية بذوي الحاجات الخاصة واحتضان المؤسسات التعليمية من قبل محيطها ومؤسسات المجتمع المدني. غير أن كل ذلك لا يعني أننا حققنا الأهداف المسطرة كاملة، خاصة أن انتظارات الجهة كانت وما تزال قوية، إضافة إلى أن طبيعة هذه الجهة والتقلبات الجوية التي تعرفها والتأخرات المتراكمة في بعض القضايا تحتاج إلى مضاعفة الجهود وإلى الصبر والعزم وطول النفس. من هنا تظهر العقبات والإكراهات المرتبطة بطبيعة المنطقة ومناخها وطبيعة العلاقات الاقتصادية فيها وسيادة الأنشطة الفلاحية والمواقف التقليدية من تعليم الفتاة في العالم القروي والحاجات المتعاظمة لتأهيل المؤسسات وتقريبها من روادها واستقطاب أكبر قدر ممكن للتجاوب مع الحاجات في الموارد البشرية. وفي هذا السياق، نسجل أن الجهة استقبلت هذه السنة في الحركة الوطنية أعدادا هائلة من الموارد البشرية، حيث غادر الجهة في الابتدائي 42 أستاذا واستقبلت 318، وغادرها في الإعدادي 55 واستقبلت 144، أما في الثانوي التأهيلي فقد انتقل منها 69 واستقبلت 191، إضافة إلى 24 من التعيينات الجديدة، وهذا كله جعل وضعية الموارد البشرية عادية في إقليمي القنيطرة وسيدي سليمان، وسجل بعض الخصاص النسبي في إقليم سيدي قاسم، إلا أن الإقبال على التمدرس وتوسيع البنيات يجعل دائما الحاجة إلى الأطر التربوية والإدارية أقوى من المتوفر لتكون في المستوى الذي نطمح إليه. أما عن البنيات التحتية، فقد سبق القول بأن نسبة عالية من المؤسسات عرفت تأهيلات عميقة أو ترميمات جزئية وبذلت مجهودات لا يمكن إنكارها، إضافة إلى برنامج  واسع من الإحداثات لم تعرفها الجهة منذ زمان تصل إلى 61 مؤسسة جديدة من ميزانيتي 2010 و2011. وهذا لا ينفي وجود حالات ما زالت تنتظر إتمام البرنامج، وما زالت تنتظر مجهودات الجميع والتعبئة المجتمعية لاحتضان المدرسة العمومية. كل هذا لا يمنع من فتح أبواب الأمل في الإصلاح القويم والقوي على مصراعيه، فالجهة فيها من العزائم والطاقات والمبادرات ما نستطيع أن نحقق به أكثر من أهدافنا.
– ذكرتم في جوابكم أن من ضمن الأوراش التي أرسيت مسألة الجهوية، فماذا يمكن أن يقال عن تجربة الأكاديميات في ضوء النقاش الذي يجري اليوم حول الجهوية الموسعة؟
> إذا كان الميثاق قد أكد في مجاله الخامس ودعاماته الخامس عشرة على اللامركزية واللاتمركز وأرسى تصورا دقيقا لبناء التدبير الجهوي القويم، فقد استطاعت التجربة العملية لبناء الأكاديميات أن تحقق تراكما إيجابيا وكبيرا على مستوى إرساء الهياكل الجهوية القمينة بتدبير جهوي متقدم، مما يسمح لنا بالقول إن البنية الجهوية للقطاع تعتبر نموذجا متقدما بين النماذج التي تقدمها القطاعات الأخرى. وإذا كانت هذه التجربة، تجربة الأكاديميات، قد أرست هياكلها القانونية، وحققت تراكمات محترمة في التدبيرين الإداري والمالي، فإن عديدا من المجالات ما زالت تحتاج إلى كثير من التطوير والبلورة والتجديد لتستطيع المرحلة المقبلة المساعدة على تطبيق فعال وسريع للامركزية واللاتمركز على كافة الأصعدة التدبيرية والتربوية، بما فيها تدبير الموارد البشرية وتكوينها وتوظيفها وتدبير الممتلكات. ولاشك أن الجهوية المتقدمة، التي يحضر المغرب نفسه لها، تفتح أفقا جديدا ومتقدما نحو تطوير هذا الأفق، الذي سيفتح إمكانات جديدة وواسعة، والذي لا ينبغي أن يقف بأي حال من الأحوال عند حدود الجهوية، بل ينبغي أن يتعداها إلى ممارسة اللامركزية واللاتمركز بأقصى درجات الانفتاح والمرونة. إن الأمل واسع في أن تبنى الجهوية المقبلة على أسس موضوعية ودقيقة، تقرأ المكتسبات وتثبتها وترسخها وتفتح أفقا جديدا نحو التطوير والتقدم.
– تم اختيار أكاديمية الغرب الشراردة بني احس لتجريب العديد من البرامج والمشاريع الجديدة في سيرورات الإصلاح، وعلى رأسها تجريب مشروع الجودة وتأمين الزمن المدرسي قبل تعميمه هذه السنة، ما هي خلاصاتكم لتجريب هذه المشاريع؟
> فعلا وقع الاختيار على أكاديمية الغرب الشراردة بني احسن خلال السنتين الأخيرتين لتجريب العديد من المشاريع المجددة في المنظومة التربوية، وهي مشاريع مهيكلة لإجراءات الإصلاح، ونذكر منها على الخصوص مشروع إرساء الجودة ومشروع دعم التلاميذ المهددين بالفصل والتكرار ومشروع تأمين الزمن المدرسي. وبخصوص هذا الأخير، يمكن القول إن الزمن وتدبيرَه يوجدان في قلب منظومة التربية والتكوين.. فالمرء لا يمكن أن يشتغل داخل مؤسسة تعليمية دون أن يطرح هاجس الزمن نفسه عليه بقوة، كما أن  الحاجة إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من تكافؤ الفرص بين التلاميذ يطرح، من ضمن العوامل، عامل تأمين الزمن المدرسي للتلميذ. لذلك كان الاتجاه في إصلاح المنظومة ينطلق من مداخل متعددة، ومنها المدخل المتعلق بتدبير الزمن المدرسي. من هنا برزت فكرة المشروع المتكامل المرتبط بتأمين الزمن المدرسي. والأكيد أن هذا الأمر  لم يكن منطلقا من خلفية غير إيجابية تجاه المدرس، أي الضبط والزجر، وما إلى ذلك مما قد يفهم من هذه الإستراتيجية، وإنما كان الهاجس الأساس والمركزي هو ضمان حق المتعلم في التعلم والحرص على صون زمن التعلمات بشكل متكافئ وعادل بين تلاميذ المدرسة المغربية، لأن لذلك علاقة مباشرة بالتعلمات وبكفايات المتعلمين وقدراتهم على الاندماج في محيطهم السوسيو ثقافي. وقد كانت الأكاديمية من بين ثلاث أكاديميات تم اختيارها لتجريب هذا المشروع ليتجاوز اليوم مرحلة التجريب إلى مرحلة التعميم التدريجي، فالتعميم الكامل، نظرا إلى أهميته وفعالية إجراءاته. والأمل واسع في أن تتمثل مختلف مؤسسات بلادنا عمق هذا المشروع والتعامل الإيجابي معه والاجتهاد بشكل مفتوح في إبداع صيغ خلاقة لتطبيقه بشكل ناجع وفعال يخدم العمق، الذي هو تأمين الزمن المدرسي خدمة لدمقرطة التعليم وتكافؤ الفرص. أما المشاريع المهيكلة الأخرى، فقد عرفت بدورها تطورا كبيرا خلال مرحلة التجريب، وخصوصا مشروع إرساء الجودة في المنظومة التربوية، الذي عزز هذه السنة بإرساء تصورات دقيقة لمشروع المؤسسة، الذي سيقوي استقلاليتها ويرفع من قدرتها التدبيرية. ونود هنا أن نؤكد أن مصير كافة المشاريع المفتوحة اليوم معلق أساسا على مدى تغيير العقليات وانخراط كافة الفاعلين في أي مشروع واحتضانه والتجاوب معه.
– تساءل المتتبعون للجهة عن وضعية ثانوية «التميز» وعدم جاهزيتها لانطلاق الدراسة بها خلال بداية هذا الموسم؟
> تعتبر ثانوية التميز مكسبا كبيرا وهاما يدعو إلى الاعتزاز ويتطلب الاحتضان الجماعي لكافة الفعاليات لتطوير هذا المكسب التربوي الهام، إذ تعتبر هذه البناية معلمة كبيرة وفريدة بنيت أساسا لاحتضان هذا النوع المتميز من الأداء التربوي للمدرسة العمومية. وقد سهرنا، بتنسيق كامل مع المركز، على توفير كافة الشروط، واشتغلت الوزارة بآليات ومعايير دقيقة وشفافة وواضحة على انتقاء التلاميذ والتلميذات، واصطفت منهم 96 تلميذا وتلميذة بعد اختبار دقيق. وقد كان طموحنا أن تنطلق الدراسة في البناية الجديدة، إلا أن تعديل برنامج البناء وتوسيعه أظهر الحاجة إلى اعتماد إضافي طلبته الوزارة صاحبة المشروع من وزارة المالية، ولم يقع التوقيع عليه إلا مؤخرا. وستستأنف الأشغال بتحضير المؤسسة الجديدة في الأشهر القليلة المقبلة. ولم نجنح إلى اختيار التأجيل، وهو اختيار سهل، بل اخترنا أن تحتضن إحدى المؤسسات الفوج الأول من أربعة أفواج (24×4= 96)  وعين بعض الأساتذة والإداريين في الحركة الوطنية وكلفنا مؤقتا بالباقي، وآوت داخلية ابن سينا التقنية التلاميذ من خارج القنيطرة، وبذلك نكون قد تشبثنا بمشروعنا واحتضنا هؤلاء التلاميذ المتميزين في ظروف ملائمة، في انتظار تهييئ مؤسستهم، التي ستكون مفخرة للجميع.
– كلمة أخيرة.
> إنني مؤمن بأن الأمل كبير في الوصول إلى الغايات المرسومة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لتصبح مدرستنا المغربية مدرسة مفعمة بالحياة، جذابة ومتعددة الأساليب، ملائمة للحياة المدرسية الفاعلة بأنديتها المختلفة. وهذه الإمكانية واردة جدا، واحتمالاتها كبيرة جدا، وفرصها واعدة، ومدخلها الأساسي التعبئة الشاملة من داخل المنظومة ومن خارجها، وما هذا الأمر بعزيز علينا جميعا.