في تقرير المكتب السياسي حول الوضع الوطني: حراك الريف أنصع صورة على حجم الفوارق الاجتماعية والمجالية

في تقرير المكتب السياسي حول الوضع الوطني: حراك الريف أنصع صورة على حجم الفوارق الاجتماعية والمجالية

في تحليل الوضع الوطني وتتبع مؤشراته تكاد تجمع مختلف التقارير الصادرة عن هيئات ومؤسسات وطنية ودولية على تزايد منسوب التدهور والخطورة نتيجة للسياسات اللاديمقراطية المتبعة ،والاختيارات التي يصر عليها الحاكمون وتصرفها أجهزة الدولة بهدف  إنتاج وإعادة إنتاج نفس العلاقات و التراتبات؛ والحفاظ على نفس الامتيازات والمصالح . بحيث مازال الوضع الاجتماعي مقلقا جدا  ، مما جعل الاحتجاجات الاجتماعية و الفئوية في تصاعد مطرد .أما الأجوبة المنتظرة فمازالت غائبة، وبالتالي أصبح الأفق غير محسوب العواقب.

فالتقارير تقدم مؤشرات مخيفة  حول خطورة الوضع . سواء منها التقارير الوطنية كتلك الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ؛ أو الدولية   كتقرير البنك الدولي الأخير حول  المغرب في أفق 2040؛  والتقريرالأخير  لأوكسفام  . ومن ذلك نجد تقارير المندوبية السامية للتخطيط في بحث الظرفية حول الثقة لدى الأسر في الفصل الأول من 2019 ، تؤكد  أن مؤشر الثقة الذي يتعلق بأراء الأسر حول تطور مستوى المعيشة و البطالة و وضعيتهم المالية و كذا فرص اقتناء السلع المستدامة، تراجع من79 ,8  إلى,1 79  . كما أعلنت المندوبية السامية أن مستوى معيشة الأسر تدهور بأكثر من %43.  فيما أوضح تقرير آخر بأن %60 من الأجراء في المغرب بدون عقود عمل؟؟. أما تقرير أوكسفام  فيقف عند مؤشرات كثيرة منها أن المغرب يبقى البلد الأكثر اتساعا للفوارق بشمال إفريقيا. بحيث تعاني الساكنة من الهشاشة بنسبة 1 على 8 داخل المدن ،مقابل 1 على 5 بالبادية. مؤكدا أن نسبة البطالة وصلت إلى 42،8% في صفوف الشباب بالمدن (ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة). و ما يفوق 2 مليون يوجدون بدون تربية و لا شغل و لا تكوين و أن مستقبل الأطفال يبقى مرتبطا بالدرجة الأولى بالوسط الاجتماعي الذي ينتمون إليه.

أما الفوارق المجالية فتتفاقم نظرا لتعطل ورش الجهوية و اللامركزية الذي كان سيمكن الجهات من إمكانيات مادية وكفاءات لجعل الجهة قاطرة للتنمية المحلية.ف 64% فقط من ساكنة البوادي متصلة بتوزيع  الماء الصالح للشرب  مع غياب لقنوات الصرف الصحي بالبوادي.وإذا كان الفقر في تراجع في مجمل الجهات فإنه يبقى 7 مرات أكثر في جهة درعة تافيلالت (14،6 %) من البيضاء (2 %)

وأما الفوارق بين النساء و الرجال فجد كبيرة و تقاس انطلاقا من 4 عناصر: الفرص و المساهمة في الحياة الاقتصادية و التربية و الصحة و استقلالية الحياة السياسية: المغرب مصنف 136/144  و نسبة الأمية% 41،9 في صفوف النساء مقابل %22،1 في صفوف الرجال و تصل النسبة إلى 60% في البوادي. وتساهم  النساء في الاقتصاد بشكل كبير عبر عمل غير مؤدّى عنه رغم أنه يعادل %15،1 من الناتج الداخلي الخام

 ومن المؤشرات  الدالة أن المغرب يعرف تعطيل السلّم الاجتماعي: رغم أنه  يخصص 5،1 من الناتج الداخلي الخام للمنظومة التربوية إلا أنه يتجه أكثر فاكثر نحو خوصصة التعليم و هذا ما يزيد من الفوارق حيث معدل السنوات التي يقضيها التلميذ في التعليم هي 4،4 سنوات أي سنتين اقل من معدّل الدول العربية  ( 6،3) وأقل بأزيد من 3 سنوات  من المعدل العالمي (7,7) و تسير  نسبة التلاميذ المسجلين بالتعليم الخاص بالمدن الكبرى في ارتفاع مضطرد مما يهدد التماسك و الاختلاط المجتمعي. كما أن جودة التعليم في تدهور و هذا ما أوضحته مشاركة المغرب إلى جانب دول أخرى في مبارات TIMMS و PIRLS التي نشرتها ONDH

 وبالموازاة مع فشل المنظومة التربوية والسعي إلى فرض الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ2030 باعتماد  القانون الإطار 17 ـ 51  وفرضه بأغلبية الغرفتين . رغم أنه  يفتح أبوابا للتراجع عن المكتسبات  التي حققتها نضالات الشعب المغربي وقواه الحية على امتداد سنوات. ولبلورة رأي الفيدرالية في هذا القانون وصياغة ردها عليه نظمنا يوما دراسيا بالدار البيضاء يوم 28 مارس2019 تم التداول خلاله  في الموضوع والخروج بموقف رافض لهذا القانون اعتمادا على مبررات منطلقة من هويتنا  وتصوراتنا والوقوف عند الثغرات التي يتضمنها النص ؛بالاضافة إلى الأجواء السياسية المشحونة  التي يعيشها  وطننا في ظل محاكمة نشطاء الريف و الحراكات الشعبية و قمع الحريات، و استمرار الاحتقان في الساحة التعليمية؛و ما يلمسه الجميع من تعميق أجواء التوتر الاجتماعي، وغياب الشروط الضرورية لبناء الثقة ،في ظل إمعان الدولة في اعتماد المقاربة الأمنية، وآخرها تعنيف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد و التنسيقية الوطنية لطلبة الطب العمومي  . واعتبرنا  أن  تزامن  هذه الأجواء مع التصويت على هذا القانون  يعكس في العمق غياب الإرادة السياسية في الإصلاح وإحداث التغييرات الضرورية الضامنة لتجنيب بلادنا الكوارث والأزمات المركبة المحدقة بها .واستحضارا من الفيدرالية، بوعي وطني، لكل هذه التفاصيل وغيرها  قررت رفض هذا القانون الإطار الذي لا يقدم ما يطمئن شعبنا على استرداد الثقة في مدرسته العمومية؛ ولا يوفر الضمانات و الشروط اللازمة لتحقيق   الإصلاح التربوي النسقي المنشود المؤسس على الإصلاح الشامل بمدخليه الدستوري والسياسي.

 وفي مجال الصحة: تبقى مصاريف الأسر مرتفعة بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا 51 %مقابل 36 %.والمغرب لا يتوفر  إلا على 6،2 طبيب ل 10000 نسمة ، مقابل 12 في الجزائر، و 37،1 بإسبانيا.مما يشجع انتشار خوصصة  قطاع الصحة منذ سنين حيث صدر القانون الذي يحرر القطاع و يجعله سوقا وجب توسيعه و ليس حقا أساسيا.  والنتيجة الحتمية أن مجال الصحة يسير  بسرعتين كما أن بدعة الشراكة عام ـ خاص و الترخيص لكليات الطب الخاصة أدت إلى تفاقم الأوضاع، حيث يتم تطوير التعليم المؤدّى عنه و يهمّش الطب العمومي و هكذا يتم إحداث كليات دون توفير مركز استشفائي جامعي مما يهدد بقوة جودة التكوين . و تستمرّنضالات التنسيقية الوطنية للطلبة الأطباء في كل من البيضاء و الرباط و طنجة و أكادير و الذين دقوا ناقوس الخطر  حول تدهور ضروف التدريس و التدريب و مسلسل تصفية الطب العمومي على حساب الطب الخاص. و لقد تم استقبال ممثلين عن التنسيقية الوطنية لطلبة الطب بمقر الحزب بتاريخ 30 أبريل، حيث قدموا لنا ملفهم المطلبي و أوضحنا لهم وجهة نضرنا حول ما يحاك ضد هذا القطاع الحيوي الأساسي و كيف يمكن المواجهة للحفاظ على مكسب الصحة العمومية و التعليم العمومي نضرا لترابط هذين القطاعين بالنسبة لتكوين الأطباء.

وفي مجال الفوارق الاجتماعية و المجالية و حسب النوع يعرف المغرب تفاقما  ملحوظا لتلك الفوارق رغم مبادرات محاربة الفقر، و ذلك نظرا لاعتماد نظام اقتصادي ليبرالي متوحش  و للاختيارات المرتبطة بالنظام البتريمونيالي و بالريع و الامتيازات و سياسات الخوصصة الغير مضبوطة و ارتفاع المديونية و سياسة التبادل الحر و التدبير المفوض. و عدم إطلاق أوراش الإصلاحات الكبرى لتغيير الوضع باتجاه الدمقرطة و التأسيس لجهوية متضامنة و متكاملة  و  توفير خدمات عمومية ذات جودة (التعليم و الصحة و الحماية الاجتماعية و توفير الشغل) و محاربة الفساد و العمل على  الإصلاح الضريبي الحقيقي، . وهو الاصلاح  الذي لايتم  بتنظيم  المناظرات المخدومة  و التي تصرف فيها أموال طائلة لخدمة اجندات رأس المال و لا توجه توصياتها للانصاف، والحد من الفوارق  من خلال  فرض ضريبة على الثروة وتوسيع الوعاء الضريبي، و لا أيضا  بالاتفاقات المشبوهة مع النقابات حيث يستمر الترميم و تغيب المبادرات الكفيلة بالحفاظ على  التماسك الاجتماعي  و تحقيق التوزيع العادل للثروة، و الاهتمام بالفئات الأكثر فقرا و التي تعاني من العنف الاقتصادي المستدام .

 و نتيجة للأسباب السابقة ونظرا لغياب الحلول الناجعة للأوضاع المأزومة  فإن الساحة المغربية تشهد  يوميا أكثرمن  50 احتجاجا بمفاعيل  الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و الكساد الاقتصادي و تراجع دور الدولة في القطاعات الحيوية و اتساع الفوارق. و هو ما يؤجج الحركات الاحتجاجية و الشعبية و تراجع المطلب السياسي  في المجتمع  حيث اجتهدت أجهزة الدولة على سلّ فتيل التسييس من الاحتجاجات كي تتمكن من احتوائها ؛ فإذا بها تواجهها مباشرة وبدون وسائط سياسية واجتماعية بعدما تسببت في تبخيس العمل السياسي  النبيل .

ونموذج الحراك في الريف أنصع صورة عن هذا الواقع  الذي في ظله بقيت الأحزاب المشاركة في الحكومة وفي المعارضة الرسمية رهينة النظام السلطوي واختياراته ومواقفه  وبالتالي وجد  النظام نفسه في مواجهة مباشرة مع الشعب.فاستنجد بالمقاربة الأمنية والقمعية  ،واستعمل كل المؤسسات للانتقام من الحراكات.

وفي هذا المنطق يدخل تأكيد الأحكام الابتدائية الجائرة  بمحكمة  الإستئناف بالدار البيضا ء في حق معتقلي  حراك الريف !! مما يدفعنا إلى  طرح سؤال ( التدخل في القضاء و سؤال الاستقلالية و النزاهة.؟؟) و هذا ما اتضحت معالمه  لمعتقلي حراك الريف فبادروا إلى مقا طعة جلسات المحاكمة استئنافيا .لأنهم لمسوا انعدام توفر شروط المحاكمة العادلة، و غياب دليل دولة الحق و القانون.  وبالتالي فإن التضييق على الحريات وسلب الحقوق أصبح سياسة ممنهجة. و في سياقه يستمر التضييق على الحزب و مناضليه بالمتابعات القضائية و تأكيد الأحكام الجائرة في حق رفاقنا في أوطاط الحاج  الذين نعلن تضامننا معهم  ومع كل ضحايا هذه الهجمة الشرسة كالتضييق على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و منع حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي من تنظيم ندوة الجبهة العربية الديمقراطية بطنجة ومنع حزبنا من عقد الجلسة الافتتاحية لمؤتمره الجهوي بغرفة التجارة و الصناعة بالرباط …. و كذا تهديد المدعمين و المستعملين لشبكات التواصل سواء للدعوة للمشاركة في مسيرة دعم الحراك و المطالبة بالإفراج عن المعتقلين و متابعة المستشارين و الصحافيين…..

إن رجوع الدولة المخزنية إلى أساليب  الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي عرفها المغرب خلال “سنوات الجمر و الرصاص” يترجم عمليا سياسة الاغلاق النهائي للقوس الذي فتح مع حركة 20 فبراير سنة  2011 و حفاظ النظام على “مقدساته و توابثه” . كما يبرز بشكل جلي  الإمعان في التستّر على الفساد و المفسدين و التنكيل بمن يفضحهم.  ونحن نناضل  لفتح إمكانية الانصاف المستحق  للتقليص من الفوارق و احترام الحقوق و الحريات و خلق شروط مصالحة حقيقية مع الريف و باقي الجهات المهمشة في إطار تعاقد اجتماعي و إنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي و بناء دولة الحق و القانون”.