مقومات الدعم للحكم الذاتي مثلث الهيكلة/ النخبة/ الوعي

مقومات الدعم للحكم الذاتي مثلث الهيكلة/ النخبة/ الوعي
مقومات الدعم للحكم الذاتي مثلث الهيكلة/ النخبة/ الوعي

محور الوعي حيوي. بالإضافة لمحور الهيكلة. بحيث تقدمت الدولة بمقترح الحكم الذاتي لحل المسألة الترابية في النظام السياسي. وللدولة أطراف مع من تتصل مسؤوليتها في الحل. أطراف داخلية. وأطراف خارجية. وأطراف داخلية/ خارجية. والمخاطب (بفتح الطاء) هنا هو النخب. والفاعل الأصلي نخب، تتمثل مصالح المجتمع وكيفية التفكير فيها والتعبير عنها، قبل أن تمثله وتتحدث باسمه. ولكي تنطلق لتتحدث معه لاستشارته واستنارته، لا بد أن تحمل أفكارا متناسقة في شكل مشروع. وما دامت النخبة، نخبة الدولة والطبقة السياسية تدعي أنها حاملة تحديث ودمقرطة، فلا بد أن ينسجم مقترح الحكم الذاتي مع المشروع الأصلي بجناحيه التحديث والدمقرطة.
فالدمقرطة في قضية العلاقة بين الدولة والمجتمع هي إزالة الوصاية، وصاية موظف الدولة على منتخب الشعب. لكن المدرسة الفرنسية، وهي المعطى الأول في وعي نخبنا، التي تنتمي لها إدارتنا، في مستوى الجماعات المحلية أبقت على تلك الوصاية، بعد الثورة الفرنسية (1789)، بل القول الصواب رغم الثورة الفرنسية قرنين ونيف (1982)، ولو كانت تلك الجماعة المحلية في كاليدونيا الجديدة أو في المارتينيك، آلاف الكيلومترات عن باريس، بينهما القارات والمحيطات. تلك مدرسة المركزية الشديدة، المدرسة اليعقوبية، التي قطعت رؤوس الجيرونديين بالضبط بسبب الجهوية والملكية. رغم ادعاء سلطة الشعب، لم تلغ العبودية في التجارة الثلاثية، بل بقيت تستعمل “الأمتياز الإسباني” المعروف عبر المحيط الأطلنطي، الذي كان الشكل “القانوني” الذي وفر التغطية لتحويل البشر الإفريقي إلى سلعة تباع وتشترى وتعامل مثل الدواب، خلال القرون الخمسة الأخيرة، قرون التحديث (1492 و1648…) والدمقرطة (1579 و1648 و1776 و1789…). تبجحت الثورة اليعقوبية الفرنسية بكل الشعارات، وكان لابد انتظار الثورة الثانية(1848)، لترفع نحو مبدأ دستوري إلغاء العبودية للأفارقة، لكنها ثبتت دستوريا، السيطرة على جزء من التراب الإفريقي، عندما اعتبرت الجزائر المحتلة (1830) في نفس الدستور الثوري ترابا وطنيا فرنسيا.
أما المعطى الثاني في وعي نخبنا فهو الزمن. فمنذ طرح المشكل الترابي في 1974، في الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى اليوم 2010، مر ثلث قرن، تحت الإدارة الاستعمارية الإسبانية، لم يعد فقط، للذين ولدوا سنة 1974، 36 سنة من عمرهم، بل الذين أسسوا البوليساريو، يوم 20 ماي 1973، بمعدل 25 عام في عمر المؤسسين جميعا آنئذ، دخل جلهم اليوم سن التقاعد الوظيفي المهني، بعد أن تجاوز الواحد منهم 60 سنة من عمره. وأصبح على أبواب الإصابة بكل عاهات العمر.
أما الجيل الحاكم في المغرب اليوم، فمعدله، بناء على عمر الملك ورفاقه، 47 سنة. مما يجعل الطاقة الدافعة في أفضل فترة لها من حيث الجسم والذهن معا. هذا الوضع الديمغرافي الاحتمالي، من شأنه أن يعطي الأفضلية على الأمد المتوسط والبعيد للتيار الوحدوي.
لكن، لم تعد قط مضمونة لا الغلبة المسبقة لهذا التيار أو ذاك، من موقع التوجيه الرسمي للدولة فقط. وذلك بسبب انفراط عناصر التحكم السيادي من فوق الدولة نحو المصالح والقوى الدولية، اقتصادية وسياسية وثقافية. وانفراط عناصر التحكم السيادي من تحت الدولة بسبب الارتباط “العضوي” في الحياة اليومية للفئات العمرية الأكثر شباباً، عبر شبكة الانترنت والفضائيات التلفزية والهواتف النقالة، بما يتحرك من قيم لا علاقة لها لا بالأسرة ولا بالمدرسة، بل أصبح الأنترنت يتحكم في عصبها الوجداني مئة بالمئة. ناهيكم عن شبكات الارتباط بين المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشبكات تمويل دولية ضمن العلاقات الرسمية للدولة نفسها. وهو العنصر الثالث البنيوي في تشكيل وعي النخب.
إن العناصر المادية الطبيعية الترابية والبحرية، والاقتصادية المفتوحة، والبشرية المتفتحة والمعتدلة للمغاربة، كلها تكاد تكون في صالح الكيان المغربي كمعطيات أولية مقارنة بمشروع معزول عن كل الإمكانيات المماثلة إن لم يحصل الدعم الخارجي للقيادة السياسية للبوليساريو، من الجزائر أو ليبيا أو اسبانيا أو سواهم. غير أن البرنامج المطروح للتوجيه والتعبئة والتنفيذ، كفيل بدعم المؤهلات المسبقة، أو بقلب الاحتمالات المسبقة المذكورة. وتلك عناصر مادية مشكلة للوضع، الذي يعتبر في جميع الأزمان والأوطان، اللحمة المادية للوعي. وعي النخب القيادية.
مما يعني، أن الوعي والتصور عن الدور الموكول للنخب والقيادات كفيل بتغيير المعطيات المادية المحضة، ما دام العقل السياسي المحرك هو المدبر في آخر المطاف للقيم المادية والمعنوية الموجودة في المنطقة بكاملها. وإذا كان العقل المدبر للسياسات المذكورة مرتبط عضويا وطبقيا بأغلبية السكان يمكنه أن ينهج استراتيجيا متقاطعة بين المصالح المجتمعية ومصالح الدولة والمصالح الأجنبية العالمية.
فالعقل السياسي المدبر يعيد تشكيل القدرات الاحتياطية إلى إمكانات تحت اليد وأخرى في المجال الحيوي وأخرى في الأمد المنظور. مندمجة كلها في استراتيجيا واحدة. وذلك، بناء على السياسات البشرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية. محاطة بسياسات دبلوماسية خارجيا وثقافية داخليا…
للملكيين والجمهوريين معا، أن يستعيدوا أمامهم أن جمهورية فرنسية هي التي احتلت المملكة المغربية ذات يوم. وللملكيين والجمهوريين أن يستحضروا أن الرأي العام في المملكة الاسبانية اليوم هو الذي يشكل الدعم للانفصال والجمهورية في الصحراء بناء على وهم الدين الاستعماري تجاه سكان مستعمرة اسمها الصحراء الغربية، وانتقاما من مغرب لم تتمكن المملكة الاسبانية من استعمار جزئه الشمالي سوى من باب عقد “التدبير المفوض” نيابة عن فرنسا وبإجازة منها. مما دل عليه دخولها للمغرب يوم دخلت فرنسا (1912) وخروجها منه بخروج فرنسا (1956). وعقدة “التدبير المفوض” تلك تحز في وعي النخب الاسبانية. وهو عنصر آخر يجب أن يجدد وعي النخبة المغربية في قيادتها للدفاع عن مقترح الحكم الذاتي.