صادق المجلس الحكومي مؤخرا على المشروع المتعلق بالمؤسسات والأحياء الجامعية الذي قدمه وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، مما يستوجب تناوله مجددا للوقوف على مضامينه والقيام بتحليل شامل له مع ايلاء حرص هذا القطاع على ضمان المساواة و تقنين تكافؤ الفرص بين المغاربة و إرادة وسياسة عملية لتقنين تكافؤ الفرص على الميدان.
مما يطرح مدى التزام السياسات التعليمية بالإعلان العالمي لحقوق الانسان و الدستور المغربي انطلاقا من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعه المغرب “ لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يوفر التعليم مجانا على الاقل في المرحلتين الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الأساسي إلزامي وأن يكون التعليم الفني و المهني متاحا للعموم“ و ما أكدته الفصول 31, 32, 33 و 168 من الدستور 2011 على “ تحمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لاستفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في الحصول على تعليم ميسر الولوج وذي جودة ” و أن ” التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة و الدولة “٬ لكن كل الدراسات و والاحصائيات و استطلاعات الرأي المتاحة تأكد للأسف أن السلطة لم تتجاوز بعد إعلان النوايا و القيام بالوفاء بالتزاماتها بشكل جدي.
فحسب التقرير الاقتصادي والمالي المصاحب لمشروع قانون المالية 2019 ٬ 269 ألف طفل تخلى عن الدراسة في خلال الموسم الدراسي 2017-2018، كما أن متوسط عدد سنوات الدراسة للسكان الذين تبلغ أعمارهم 15عاما أو أكثر لا يتجاوز6 سنوات دراسية، أي غير حاصلين على شهادة التعليم الابتدائي. و وفق نفس المصدر نسجل الغياب التام لمبدأ المساواة بخصوص التعليم قبل المدرسي، إذ لا يستفيد منه سوى نصف الأطفال المفترضين عامة وأغلبهم من القاطنين بالمجال الحضري لأن نسبتهم بالمناطق القروية لا تتعدى الثلث. وحسب المندوبية السامية للتخطيط٬ تفتقر 58% من المدارس العامة على الحد الأدنى من البنية التحتية، اذ لا يتوفر ثلثي المدارس القروية و ربع المدارس الحضرية على مراحيض مناسبة و وظيفية. و حسب نفس المصدر٬ فإن ثلث التلاميذ (السنة الرابعة ابتدائي) بالعالم القروي لا يتوفرون على اللوازم المدرسية٬ كما تعاني هذه المناطق من مشاكل التنقل واكتظاظ الأقسام (في بعض المدارس يدرس ثلاثة مستويات في قسم واحد متوفر على سبورة واحدة).
إن مشكلة تكافئ الفرص و المساواة ينطبق أيضا على التعليم الجامعي، فعدد الطلبة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي سنة 2018 بلغ 900 ألف طالب موزعين على 126 مؤسسة تابعة ل12 جامعة في 10 مدن فقط ( الرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، مراكش، اڴادير، فاس، طنجة، مكناس، وجدة، الجديدة) رغم تواجد 50 مدينة كبرى بالمغرب أي بمعدل جامعة لكل خمسة مدن كبرى وجامعة لكل جهة، غير انه هناك جهات تتوفر على أكثر من جامعة كجهة الرباط سلا القنيطرة التي تتوفر على أزيد من جامعتين (جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة) و أزيد من 23 مؤسسة تعليمية . ويلاحظ غياب المساواة حتى على مستوى الجهة نفسها، حيث لا تتوفر مدن الخميسات وتيفلت وسيدي قاسم وسيدي سليمان و الصخيرات على مؤسسات تعليمية جامعية ٬ مما يساهم في تهميش هذه المدن و إفراغها من كل طاقاتها الفكرية التي من الممكن أن تساهم وتقوي المجتمع المدني بخلق مبادرات تطوعية لتحسين أوضاع هذه المدن، عوض رميها في أحياء جامعية مكتظة، تفتقر لأبسط التجهيزات.
كما يمكن الاشارة الى جهة تافيلالت التي تتوفر فقط على ملحقات جامعية تابعة لجامعة مولاي اسماعيل بمكناس في حين لا تتوفر جهة العيون الساقية الحمراء وكذا جهة كلميم على أية جامعة. في حين اذا أخذنا مثال دولة تونس الشقيقة٬ التي تقارب مساحتها جهة الدار البيضاء٬ تتوفر على 10 جامعات موزعة على كافة التراب الوطني.
و يمكن اعتبار المشروع الحكومي المذكور دليلا على اختيار الحكومة الاستمرار في سياساتها الترقيعية كما هو الشأن بخصوص مشروع مرسوم رقم 2.18.958 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.90.554 الصادر في 2 رجب 1411 (18 يناير 1991) الذي يتضمن إحداث مؤسسات جامعية جديدة ويتعلق بإنشاء 17 مؤسسة جامعية جديدة و توزيعها غير العادل والمتناقض والمتحكمة فيه خلفيات انتخابية و قبلية.
وجدير بالذكران مشكل الأساتذة الذين فرض عليهم “التعاقد” يعد ضربا حقيقيا لمبدأ المساواة و في هذه الحالة المعنيون موظفون بالقطاع “ يأدون نفس الواجبات وليس لديهم نفس الحقوق” و ” يمكن لمدير المدرسة أن ينهي مسارهم المهني بسبب خلاف بسيط ولا علاقة له بالكفاءة أو المهنة ولا يملكون حتى حق الدفاع عن أنفسهم”. و في الوقت الذي وجب على حكومة سعد الدين العثماني الأخذ بعين الإعتبار مطالبهم المشروعة بالإدماج في الوظيفة العمومية والمساواة مع نظرائهم المرسمين، اختارت الحكومة قمعهم وكتم أفواههم بشتى الوسائل كما وقع ليلة السبت 26 مارس الماضي.
و بالنظر للمعطيات الواردة أعلاه٬ نسجل عدم تطابق سياسات الدولة مع دستورها والمعاهدات التي وقعتها بالإضافة إلى غياب إرادة حقيقية لفتح نقاش واسع بإشراك جميع الأطراف المعنية بقطاع التعليم لبلورة استراتيجية شاملة لإصلاح المنظومة بأكملها و حل مشكلة المساواة و تكافؤ الفرص وضمان مجانية التعليم و جودته وعدم الإجهاز على الوظيفة العمومية والقطاع العام.