رغم عدم تضمن الإعلان العالمي لحقوق الانسان في 1948 الحقوق البيئية، لكنه مع تطور المعرفة العلمية في العقود الأخيرة.
برز وعي بيئي قوي، بتنامي الاخطار التي تلحق الضرر الكبير والهائل بالمنظومة البيئية (تلوث الهواء والماء والتربة، استعمال المواد السامة، الاستغلال المفرط وغير العقلاني للموارد الطبيعية، التخلص غير الآمن من المواد الخطرة، التلوث البحري، ثقب الأوزون وتغير المناخ،الخلل في التوازن البيئي والتناقص الملحوظ والمضطرد في التنوع البيولوجي…).
إن تدهور البيئة والاضرار بها، كان من شأنه أن يمس ويؤثر على التمتع بكافة حقوق الانسان، وهذا ليس من المغالاة في القول. فلإحقاق حقوق الانسان وتمتع كل الناس بها، يتطلب وجود بيئة داعمة سليمة ومؤهلة. وهو ما تنص عليه الفقرة الأولى من إلان ستوكهولم الصادر في 1972 حيث جاء فيها ” جانبي البيئة البشرية سواء الطبيعي منها أو الذي صنعه الانسان، أمران أساسيان بالنسبة لرفاهية والتمتع بحقوق الانسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة نفسه”.
فالاضرار بالبيئة اذن، يخلف انعكاسات سلبية، قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، يؤثر لا محالة على التمتع بحقوق الانسان في كليتها وشموليتها. وقد حدد مجلس حقوق الانسان أخطارا بيئية تضر بشكل مباشر بجملة من الحقوق الإنسانية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، الاتجار غير المشروع بالمواد السامة والمسرطنة والنفايات الخطرة وطريقة إدارتها والتخلص منها غير السليمة، كلها أمور تضرب الحق في الحياة والحق في الصحة، إضافة إلى طائفة من الحقوق الأخرى.
كما أن لتغير المناخ والآثار المترتبة عنه، تشكل خطرا على جملة من الحقوق أهمها: الحق في الحياة والصحة والغذاء والماء والسكن وتقرير المصير (خاصة الجماعات السكانية التي تستوطن الجزر والتي يتهددها خطر ارتفاع مستوى المياه نتيجة ذوبان الكتل الجليدية بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض).
إذن، فالتردي البيئي الحاصل، له انعكاسات وآثار سلبية على كل منظومة حقوق الانسان، خاصة في البلدان “النامية”. مما يزيد من حدة البؤس ووطأته، سيما، والتخلص غير القانوني وغير الآمن من المواد الخطرة السامة يتم على مستوى هذه البلدان الفقيرة.
الشيء الذي يمس، حسب ما جاء في تقرير مقدم من “المقررة الخاصة المعنية بالنفايات السامة ” عما لنقل وإلقاء المنتجات السمية الخطرة وغير المشروعين من آثار ضارة بالتمتع بحقوق الانسان (E/CN ,4/2001/55) الفقرة 58 : ” بالحقوق الأساسية، كحق الشعوب في تقرير مصيرها والسيادة الدائمة على مواردها الوطنية والحق في التنمية… وفي الحصول على غذاء كاف، والحق في ظروف عمل آمنة وصحية، وحرية التعبير، والحق في تكوين نقابات والانضمام لها وحق الاضراب والتفاوض الجماع، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في التمتع بمنافع التقدم العلمي وبتطبيقاته”.
أما عن بعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتي تشير صراحة الى التهديدات البيئية وما لها من ضرر على حقوق الانسان والتي نذكر منها: البروتوكول المتعلق بالمواد المستنفذة لطبقة الأوزون (بروتوكول منتريال) ، واتفاقية التلوث الجوي البعيد المدى عبر الحدود، والبروتوكول المتعلق بالسلامة الاحيائية الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي (بروتوكول قرطاجة)، واتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن المناخ و(بروتوكول كيوتو) الملحق بها، واتفاقية التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود (اتفاقية بازل)، والاتفاقية المتعلقة بتطبيق اجراء الموافقة المسبقة عن علم على مواد كيميائية ومبيدات معينة خطرة متداولة في التجارة الدولية (اتفاقية روتردام)، واتفاقية الملوثات العضوية الثابتة (اتفاقية استوكهولم)، واتفاقية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لاوربا بشأن الوصول الى المعلومات والمشاركة في صنع القرار ومكانية اللجوء الى القضاء في المسائل البيئية (اتفاقية آرهوس).
إنه رغم كون مختلف التشريعات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، لم تنص بشكل صريح لضرورة التصدي للتهديدات البيئية. لكنها تضمن الحق الصريح لجميع البشر في التمتع بيبئة سليمة وصحية، عبر التنصيص على ضرورة الحق في عدم التعرض للتلوث والحق في حماية وصون الهواء والتربة والمياه والبحار والنبات والحيوان، والحق في الحصول على أغذية مياه سليمة وصحية، والحق في الحصول على المعلومات الخاصة بالبيئة.
وقد اكد إعلان ريو (1992) على ضرورة ضمان الحق في التنمية المستدامة والحق في حياة صحية ومنتجة في وئام مع الطبيعة. كما تضمنت اتفاقية (آرهوس) الحق في الوصول الى العدالة في مجال البيئة.
إنه يتضح من هذا العرض الموجز، أن التدهور البيئي ينعكس سلبا على كل منظومة حقوق الانسان ويقوض من ممارستها. فالعلاقة بين حقوق الانسان والبيئة أصبحت تستدعي إيلاء اهتمام بالغ وجاد من لدن كل المهتمين والمدافعين عن حقوق الانسان في كليتها وشموليتها. إن حقوق الانسان لا تخضع للتمييز…