شكليتان تدبر و تدير الاستراتيجية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تبلورها السلطة السياسية.
ارادت جماهير من الشعب، و لو بشكل عفوي و غير منظم، التعببر عن رفضها لسلطوية النظام السياسي المخزني و سياسته اللا ديمقراطية و عن طموحها للتحرر من الاستبداد و المطالبة بحقوقهم الديمقراطية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية فخرجت منتفضة في مارس 65 و يونيه 81 و يناير 84 و دجنبر 90. كما شاركت جماهير من الشعب المغربي بشكل قوي و متميز في النضال السياسي الجماهيري الديمقراطي لانتفاضة حركة 20 فبراير طيلة سنة 2011. فالتاريخ يؤكد أن الشعب، المُؤطَّرُ بقوى ديمقراطية ثقافية و سياسية و نقابية و مدنية، هو الذي يصنع الديمقراطية و ليس الحكام أو النخب السياسية تهما كانت عبقريتهم. و المفارقة هي أن القوى اليسارية الديمقراطية لم تكن مهيأة لقيادة النضال الديمقراطي الجماهيري الذي بلورته “حركة 20 فبراير” بتنظيمه و بالتخطيط لاستمراره و بإبداع و بتجديد تصوراته و أساليبه من أجل بلورة قوة ديمقراطية جماهيرية منظمة و توحيد مكوناتها السياسية و الاجتماعية و المدنية قادرة على تغيير ميزان القوى لفرض قطيعة سياس نعيش اليوم في المغرب مع حكومة جاءت ضد رياح التغيير الديمقراطي الذي بدأت صيرورته الجديدة مع نضال “حركة 20 فبراير” في بداية سنة 2011.
و هي حكومة تمت صناعتها لتوقف زحف النضال من اجل التغيير الديمقراطي و لترسيخ استمرار سلطوية النظام السياسي بتفريطها حتى في الصلاحيات، المحدودة طبعا، التي يمنحها لها دستور 2011 بالنظر إلى أن المؤسسة الملكية، السلطة السياسية، هي الفاعل المقرر الاوحد في مصير البلاد. و بالتالي لا يفاجئنا ممارسة الحكومة سياسة الخضوع لاستراتيجية السلطة السياسية و التزام الحدود السياسية التي ترسمها لها. و ذلك ا أكد الملك هذا الخضوع عندما أعلن أن ما تقوم به الحكومة الحالية هو استمرار للسياسة التي مارستها الحكومات السالفة. لذلك لم يشكل تغيير الدستور و انتخابات 25 نوفمبر 2011 السابقة لأوانها و صعود “العدالة و التنمية” للحكومة قطيعة مع جوهر و أسلوب و ممارسة المؤسسة الملكية للحكم و للسياسية. و بالتالي استمرت الحكومة و البرلمان مؤسستان ية و اجتماعية مع النسق السياسي الاجتماعي المتخلف السائد لصالح تغيير ديمقراطي فعلي.
عجزت القوى اليسارية الديمقراطية في مهمة تأطير شباب حركة 20 فبراير بالحوار الديمقراطية و ببلورة جديدة لتصوراتها و برامجها و ممارستها السياسية لاكتساب ثقة هذا الشباب و الوصول معه عبر حوار ديمقراطي مستمر كي يقتنع أن لا ممارسة ديمقراطية بدون تنظيم سياسي ديمقراطية. و هذا كان يتطلب من القوى اليسارية تغييرا جذريا في منهج و أسلوب ممارستها السياسية و التنظيمية لتمكن شباب حركة 20 فبراير من المساهمة الفاعلية في بلورة القرار و الموقف السياسي من جميع القضايا الديمقراطية والمساهمة في تفعيل القرار و الموقف جماهيريا. و يعود عجز القوى اليسارية إلى أنها لم تتجاوز منظورها و ممارستها الحزبية و النقابية الضيقة للنضال الجماهيري الديمقراطي الجديد الذي بلوره شباب حركة 20 فبراير. كما يعود عجز القوى الديمقراطية إلى أنها لم تكن لها خطة سياسية و تنظيمية و اساليب عمل لتأطير الجماهير الشعبية التي شاركت في صنع انتفاضة “حركة 20 فبراير”. لذلك ستعود تلك الجماهير الشعبية إلى حياتها العادية البعيدة عن النضال السياسي الديمقراطي. لذلك نعتبر أن القوى اليسارية الديمقراطية السياسية و النقابية و المدنية و الحقوقية لا زالت تواجه مهام التغيير الديمقراطي و لن تستطيع تجاوز عجزها ما لم تمارس نقدا ذاتيا و تجاوز عجزها وفق خطة سياسية لاقتحام الصراع السياسي ضد الاستبداد و الفساد و من أجل توسيع الديمقراطية و حقوق الانسان و شمولها جميع مناحي حياة الشعب كي تستفيد الطبقات الشعبية من ديمقراطية شاملة توفر لها في ظروف معيشية إنسانية (الشغل و السكن اللائق و التعليم العلمي الناجع و الحق في التطبيب و الاستشفاء و التثقيف و وسائل الترفيه … ) لتمكينها من خوض النضال الديمقراطي في شروط أفضل لتحرير المجتمع من جميع أشكال الاستغلال المتوحش و الاستلاب كي يستعيد المواطن-ة مواطنته و إنسانيته.