قدم المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد تقريره السياسي والحزبي في بداية أشغال الدورة الخامسة للمجلس الوطني، المنعقد حاليا على مدى يومي 30 نونبر و1 دجنبر بالمركب الدولي ببوزنيقة، في دورة أخذت أسم الفقيد خالد الشجاعي.
ونقدم هنا الجزء الاول من الجانب المخصص للوضع الوطني.
لمزيد من تدقيق مواقفنا الثابتة اجتهد الحزب ومؤسساته في تفكيك سمات الوضع الوطني -الذي طوى مرحلة احتمالات التجديد والتحديث الذي وعد به عهد ما بعد يوليوز 1999 . ؛ وأغلاق القوس السياسي و الاجتماعي . بل إن النظام عاد بقوة وإصرار – في الآونة الأخيرة – إلى السلطوية وتراجع خطير في مجال الحريات؛ وإلى زمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ؛ والإجهاز على الحقوق والحريات والمكتسبات ؛وخاصة منها انتهاك الحريات الفردية، وانتهاك حرمات الأجساد ،والتلصص على الحياة الشخصية للمواطنات والمواطنين وتعريضهم للمحاكمات الظالمة المخدومة سلفا .
وقد أبدع المجتمع وتعبيراته المختلفة في خلق وتنظيم أشكال مختلفة لمناهضة ومواجهة هذا المنحدر الخطير. وساهم الحزب ومؤسساته فيها بقسط وافر . سواء عن طريق تصريحات ومواقف الأمينة العامة واعضاء من المكتب السياسي، أو ممثلينا في البرلمان ،أو عبر عمل مناضلات ومناضلين في أشكال المواجهة ومناهضة هذا النهج .و واكب هذه الانتهاكات نقاش مهم داخل المجتمع ساهم فيه الحداثيون في مواجهة قوى الظلام والرجعية التي وصلت حد تهديد أصحاب الرأي المخالف ومنهم الرفيق عمر بلافريج .
وقد أصدر المكتب السياسي بيانات رفض فيها ومن خلالها نهج التضييق على الحريات ؛وندد بخفافيش الظلام الذين جردوا أسلحة التكفير والإرهاب والتهديد بالمحاكمات والتصفيات . مما يوضح مرة أخرى أن معركة التنوير تمثل إحدى المعارك المركزية في مسار صيانة المكتسبات، وتوعية المجتمع، وتطوير عقلياته لمواجهة الأخطار المحدقة.
يحدث هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الدولة فشل نمودجها التنموي مع استمرار الحكومة المحكومة في التفريط في مصالح الشعب المغربي ومكتسباته . عبر اعتمادها وأغلبيتها قوانين مجحفة وسياسات لا شعبية . وإقرار ميزانيات مخدومة لمصلحة النافذين ، وانصياعها لتوصيات المؤسسات الدولية المالية وتوجيهاتها بالإجهاز على الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة وشروط العيش الكريم. وأغرقت الحكومات المتعاقبة البلاد في المديونية التي سترهن مصير الاجيال ؛وطبعت مع الفساد وتهاونت في محاربته واجتهدت في أساليب التنكيل بالفئات الشعبية ومن يناضل من أجل تحسين أوضاعها. بل إنها ماضية في إضعاف الطبقات الوسطى في المجتمع وهو ما ستترتب عنه أخطار كبيرة ليس أقلها إقدام فئات واسعة على مغادرة بلادهم بحثا عن الحرية والعدالة وشروط العيش الكريم لها ولأبنائها .
وقد ظلت المعالم الكبرى لتحليل الحزب ثابتة وواضحة .، وظل الحزب وفيا للمعارضة المستمرة للسياسات اللاشعبية المتبعة ؛ ومنتقدا بقوة هذه الاختيارات ،ومحذرا من مغبة التمادي في هذا النهج داعيا إلى الارتقاء الى مراعاة مصلحة الوطن الإقدام على الإصلاحات الجوهرية التي يتطلبها الظرف، وتصحيح الأوضاع بإطلاق سراح معتقلي الريف وغيرهم وتدشين مرحلة اصلاح حقيقي ونسقي يطال كافة المستويات، لتحقيق مغرب الديمقراطية والمساواة.
كما نقدّم في هذا التقرير، بعض أهم الخلاصات التي أسفر عنها اللقاء الذي جمع مفكرين و مثقفين و اقتصاديين بمركز بنسعيد و الذين شاركوا في الإجابة على سؤال تأزم الأوضاع و عزلة اليسار و تردداته و عدم قدرته على المواجهة في ضل التحولات الجيواستراتيجية و الفكرية و المفاهيمية على المستوى العالمي و عدم قدرته على رفع التحديات و تقديم المشروع البديل الواضح و خصوصا في ضل ضرب المكتسبات والحقوق و الحريات و نهب ثروات البلاد (التقاعد، التعليم، المقاصة،الانفتاح الدولي الغير مضبوط و التدبير المفوض و الخوصصة العشوائية و تخلي الدولة عن أدوارها في المجالات الحيوية، الجرائم الاقتصادية و تقارير المجلس الأعلى للحسابات و المقاربة الأمنية و التدخل في القضاء و التهرب الضريبي و تهريب الأموال وتطبيق سياسات التقشف و غلاء المعيشة و تفشي الأمراض الاجتماعية و الإدمان على المخدرات و الهدر المدرسي و بطالة الشباب….حيث اليسار في رد الفعل عوض أن يكون فاعلا، بالرغم من العديد من المحاولات و المبادرات المتباينة أحيانا، يبقى ضعيفا انتخابيا و يفتقر للنخب المثقفة القادرة على جعله يتجاوز وضع التصحر الاديلوجي و الفكري و ضعف الفعالية و التقدم كمشروع سياسي فكري منسجم و بتصوّر واضح ليتأهل لاحتلال موقع البديل القادر على تقديم الأجوبة على الإشكالات المطروحة و بديل لتجاوز الأزمة ، أمام تقدم التيارات الإسلاموية وتجدر السلطوية المخزنية التي أغلقت القوس السياسي و الاجتماعي و هي اليوم تعمل على هندسة الاستحقاقات المقبلة حفاظا على توابثها و غير مستحضرة لخطورة الأوضاع.
لاننا كحزب يجب أن نرجع للموضوع بالتفصيل. و أن نقدم تقييما لهذا الوضع سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و بيئيا وفي مجال التعليم و التربية و التكوين الذي شكل المدخل “لشلّ المجتمع المغربي” و نقدّم مقترحاتنا بخصوص “البديل” السياسي و الاقتصادي و ..و والنمودج الاشتراكي الذي نطمح إليه و الصراع الذي يجب أن نخوضه و بأية استراتيجية و بأية أدوات و أن نقدّم تحليلا للاشتراكيات التي تطبّق اليوم عبر العالم و أن نكون على بيّنة من التغيّرات التي طرأت و تطرأ على مجتمعنا و ما هي طموحات و تطلعات شبابنا في زمن الذكاء الرقمي والتطور العلمي و التكنلوجي و زمن هيمنة الرأسمال المالي و زمن الأزمة البيئية و الصراع الاستراتيجي. لنقدّم عرضا سياسيا واضحا لوضع حدّ للفساد و للاستبداد و بناء التنمية، عرضا بإمكانه أن يحقق تعبئة قوية و انخراطا واسعا للجماهير التي تحتج بأشكال مختلفة و هي اليوم متفرقة و التي يجب الاهتمام أكثر بقضاياها و خلق جسور التواصل المستمر معها.