يعتبر تحقيق السعادة من الأهداف الكبرى للإنسان على مر التاريخ، إن لم يكن هو الهدف. و يمكن تعريف السعادة بحالة الشعور بالرضا لدى الفرد، مع الأخذ بعين الاعتبار طبعا، أن تعريف السعادة يختلف من فرد إلى آخر. مما يعني بأن كل فرد أو مجموعة أفراد لديها تصورها الخاص للسعادة التي تحاول تحقيقها. و نعتبر أن المدخل الأساسي لكل بحث حول السعادة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تعدد أنواع السعادة و تعدد أسباب تحقيقها. و بالتالي فعلى الأنظمة السياسية التي تعتبر نفسها ديمقراطية أن تسعى إلى تحقيق السعادة من خلال معرفة حاجيات المواطنين الأساسية، و هذا بالضبط ما تحدث عنه ابن خلدون و قبله أرسطو، بالقول أن الدور الأول للدولة هو تحقيق السعادة و لذلك وجب عليها أن تنفق من أجل الوصول إلى هذا المبتغى.
ما نعيشه اليوم في غالبية الدول حول العالم و بصفة خاصة في دولنا الفقيرة، هي سياسات لا تأخذ بعين الاعتبار مؤشرات السعادة لدى المواطنين و تهتم فقط بمؤشر النمو و بالتوازنات الماكروإقتصادية التي يمكن إعتبارها مهمة لكنها غير كافية لتحقيق التنمية .السؤال المطروح الآن هو: هل تستطيع الدولة تحقيق السعادة و الرفاه لمواطنيها و كيف؟
البحث عن أسباب تحقيق السعادة هي غالبا مجال تخصص علماء النفس و الإجتماع. و لكننا نشهد في السنوات الأخيرة إهتماما متزايدا للإقتصاديين بهذا المجال. هذا الإهتمام من شأنه الإجابة عن أسباب تحقيق السعادة بمنهجية أخرى.
إذ نعلم أن النفقات المالية تمثل أداة إقتصادية مهمة في يد الدولة، والتي يمكن من خلالها الإستثمار في القطاعات التي تعود بالنفع على الأفراد. و مع ذلك، لايزال هناك جدل بين الإقتصاديين حول نجاعة السياسات المالية التوسعية في تحقيق السعادة. إذ يعتبر البعض أن الرفع من النفقات العمومية لا يساهم في تحقيق هذا المبتغى، بينما يرى آخرون خلاف ذلك.
في دراسة نشرت سنة 2017 بمركز التحليل النظري و معالجة البيانات الإقتصادية لجامعة Pau بفرنسا، أوضحنا علاقة السعادة بالإنفاق العمومي. و قد استندت هذه الدراسة إلى معطيات تخص 132 دولة حول العالم (بما فيها المغرب) للفترة المتراوحة بين 2006 و 2015.
الدراسة خلصت إلى وجود علاقة إيجابية و مباشرة بين الإنفاق العمومي و السعادة. ما يعني أن كل إرتفاع في النفقات العمومية سيؤدي إلى إرتفاع السعادة في المجتمع. و وفقا لخلاصات الدراسة، أيضا، فإن هذا الثأثير الإيجابي يعود بالأساس إلى كون الإنفاق العمومي يمكن أن يلعب دورا مهما في زيادة نسبة السعادة لدي المواطنات و المواطنين، و ذلك لسببين على الأقل : أولا، يمكن للنفقات العمومية ان تساهم في تنظيم إختلالات منطق “السوق” بما يعزز التضامن الإجتماعي. حيث ان نفقات الحماية الاجتماعية تلعب دورا مهما في إعادة توزيع الثروة مما يساهم في الشعور بالعدالة و المساواة بين مختلف طبقات المجتمع. من ناحية أخرى، فإنها توفر التأمين للمستقبل وتقلل من الخوف من الفقر و “الحرمان الاقتصادي” بسبب هاجس البطالة. ثانيا، يمكنها أن تساهم في الرفع من نسبة السعادة عن طريق إنشاء نظام تعليمي و صحي في المستوى .فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم، لا يختلف اثنان على أن تأثيره على السعادة والرفاه إيجابي. إذ يمثل الإنفاق العمومي في مجال التعليم استثمارًا في رأس المال البشري يستفيد منه الأفراد من خلال زيادة الثقة بالنفس و الحصول على فرص أفضل في سوق العمل. أما بالنسبة للصحة فإنها تمثل عاملا أساسيا لرفاه، لأنها تحدد مدى إمكانية أن يعيش الأفراد حياة عادية بدون قيود نفسية أو جسدية. إذا كان الرفع من النفقات الصحية يؤدي إلى تحسين الوضع الصحي للمواطنين، فتأثيرها سيكون إيجابيا على الشعور بالسعادة.
نفس الدراسة أكدت أن حرية الإختيار و الثقة في المؤسسات لها تأثير كبير على مستويات السعادة بين الأفراد. وفي هذا الصدد، نعتقد أنه يجب أن يكون لواضعي السياسات الإقتصادية هدف رئيسي و هو السعي إلى تحقيق سعادة المواطنات و المواطنين من خلال الإنفاق و الاستفادة من مؤشرات مثل معدل النمو و معدل الدين العام كوسيلة لتحقيق الهدف و ليس هدفا بحد ذاته.
أخيرا، نعتقد أن مثل هذه الدراسات مهمة للحصول على رؤية حقيقية بشأن محددات الرفاه الشخصي للأفراد. فمتى ستولي الدولة المغربية اهتمامها بوضع سياسات تجعل مواطنيها سعداء؟ علما ان المغرب يحتل رتبة متدنية) المركز 89( في تصنيف “تقرير السعادة العالمية 2019”.
ولمزيد من التوضيح المرجو الاطلاع على الورقة البحثية في الرابط أسفله: