وقف المكتب السياسي بإسهاب عند سمات الوضع المتأزم الذي تمر منه البلاد ؛ في تفاعل مع الأوضاع الدولية والجهوية، وانعكاساتها السلبية وكذا مسلسل محاولة تصفية القضية الفلسطينية وتقدم “الفوضى الهدامة” بعلاقة مع رهانات الطاقة والصراع الاستراتيجي والعولمة. وسجل المكتب السياسي القلق الجارف الذي يمس مختلف شرائح المجتمع وتذمرها المتنامي من الوضع الذي ما فتئ يزداد سوءا، مما يعمق اليأس لدى المواطنات والمواطنين ويهز ثقتهم في المستقبل بفعل الإصرار على إغلاق كافة نوافذ الأمل في التغيير المنشود الذي يتطلع إليه الشعب المغربي وقواه الحية. وسجل المكتب السياسي التمرير المستمر لقوانين مجحفة، دون أن يسبقها حوار ديمقراطي ودون اعتبار ما يتطلبه الوضع من إصلاحات لإعادة بناء الثقة، ومن ضرورة مستعجلة لإحداث التغيير الديمقراطي حيث بعد تمرير قانون يضمن تقاعدا، غير مستحق، للبرلمانيين والوزراء، يتم تمرير القانون الإطار 17 ـ 51 الخاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لحرمان فئات واسعة من الحق في التعليم العمومي المجاني، بالموازاة مع مسخ المناهج المدرسية، بعيدا عن الإصلاح الشامل والشمولي الذي يتطلبه قطاع استراتيجي كقطاع التعليم الذي يعتبر المدخل الأساس لكل تنمية. كما أن إخراج القانون الخاص بالتجنيد الإجباري، لا يمكن أن يشكل حلا لما يعانيه الشباب من تفقير وتخدير وتهميش وبطالة وانسداد الأفق، حيث تتطلب معالجة الوضع، استراتيجية متكاملة بشقها التربوي والمعرفي والثقافي والقيمي لتأهيل الشباب لرفع التحديات المرتبطة بالعالم الرقمي والذكاء الاصطناعي وجعله قوة دفع للنهوض بالمجتمع والحد من التبعية.
إن الوضع الوطني يزداد تأزما خاصة بعد ارتدادات “الربيع العربي” والالتفاف على مطالب حركة 20 فبراير في بلادنا وإطلاق الثورات المضادة ورجوع الاستبداد وتقدم “الفوضى الهدامة” والحروب الاستباقية باسم الاستقرار والأمن ومحاربة الإرهاب. فتراجع مجال الحقوق والحريات، وقوبل الحراك الشعبي بالريف وجرادة وغيرها من الجهات بمواجهة قمعية شرسة، شملت اعتقالات وتعذيبا وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان استمرت لقمع احتجاجات شعبية عارمة. ورغم إقرار المسؤولين بمشروعية المطالب المرفوعة، أسفرت المحاكمات الماراطونية إلى إصدار أحكام جائرة صادمة. ويبقى المطلب الملح هو إطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية حراك الريف وباقي الحراكات الشعبية كما نادت به المسيرتان الوطنيتان بالدار البيضاء والرباط وجبر ضرر الأسر الصامدة والجهات.
إن التراجع الذي عرفه المشهد السياسي، المتحكم فيه، وبعد الحصيلة الضعيفة لدستور 2011، وأمام ضعف الحكومة وتصاعد التناقضات داخلها، وتنامي السلطوية، وضبطها للمشهد السياسي بكل الأدوات يجعل من الإعفاءات، التي تمت دون تقديم المعلومة ودون محاسبة حقيقية، إجراء للتغطية وليس للمعالجة الحقيقية. وتستمر نفس الاختيارات الخاضعة لتوصيات المؤسسات المالية، التي تركّع الأنظمة تحت ثقل المديونية لتسلبها سيادتها ويستمر الريع والاحتكار والإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية، رغم التقارير الصادمة وترتيب مخجل للمغرب على مستوى مؤشر التنمية البشرية. وهكذا ارتفعت نسب العطالة والفقر والتهميش وتفشت ظاهرة أطفال الشوارع والتعاطي لشتى أنواع المخدرات في حين ساهم النظام البتريمنيالي في خلق أوليكارشيا سيطرت على جل ثروات البلاد. الشيء الذي أدى إلى “فشل النموذج التنموي” واتساع الفوارق. لكن الثورة المعلوماتية عبر شبكات التواصل الاجتماعي فتحت نافذة للتعبير وللوصول للعديد من المعلومات وهكذا يستمر تنامي الوعي حتى بعد خفوت حركة 20 فبراير، حيث استمرت روحها في قلب الحراك الشعبي بالريف وجرادة، وكل أشكال الضغط والمقاومة الشعبية وضمنها احتجاجات العطش والمسيرات ضد التوظيف بالعقدة وضد محاولة وأد الوظيفة العمومية وضد عدم الاستفادة من الحق في التعليم والصحة والسكن والشغل والتنقل وغيرها من القضايا.
إن احتداد الأزمة يدفعنا إلى التشديد على ضرورة اعتماد انفراج سياسي شامل يعيد للوطن بكافة بناته وأبنائه أضواء الأمل في غد تتحقق فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويسمح بتقوية الدولة المغربية بالديمقراطية لربح رهان الخروج من التخلف والتبعية واستكمال الوحدة الترابية وتحقيق التنمية. وفي هذا الإطار فإن التقرير المقدم من قبل المجلس الأعلى للحسابات والذي كشف عن العديد من الاختلالات في تسيير وتدبير بعض المؤسسات وفي تصريف السياسات العمومية، يجب أن يشكل انطلاقة للمحاسبة والتصدي لهدر المال العام. كما أن التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول أوضاع الشباب يجب أن يعتمد في تقويم السياسات المتبعة، فضلا على وجوب تفعيل مختلف مؤسسات الحكامة الواردة في الدستور من قبيل مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وغيرهما..
وبديهي أن الانفراج الشامل المطلوب لايقف عند إجراءات مسكنة عابرة أو انتقائية، وإنما هو انفراج عميق ذو أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية يقطع مع منطق الاستبداد والفساد ويسترجع للقطاعات الاجتماعية موقعها الفاعل بمؤسساتها العمومية وخدماتها المجانية والجيّدة. وبما يمكن المناضلين الشرفاء من استرجاع حريتهم وإطلاق سراحهم وفي مقدمتهم معتقلو حراك الريف وجرادة والنهوض بجهاتهم في سياق العدالة المجالية.
إن الحزب الاشتراكي الموحد وعيا منه بدقة الظرف وحساسيته لن يذخر جهدا في العمل إلى جانب مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي والحساسيات اليسارية والتقدمية والديمقراطية من أجل الضغط في اتجاه تحقيق إصلاحات فعلية تضمن فصل السلط والربط الحقيقي بين المسؤولية والمحاسبة والتوزيع العادل للثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وإحقاق الحقوق والحريات وضمانها واحترامها بدون أي تمييز بالنسبة لكل المواطنات والمواطنين. إن الحزب يعتبر أن اعتماد الانفراج المأمول مدخل ضروري لفتح أفق جديد ومتجدد لشعبنا ووطننا ولهذا فإنه مقبل على إطلاق مبادرات سياسية ذات أبعاد مستقبلية متعددة المجالات والجوانب.
وبموازاة مع الشق السياسي ناقش المكتب
– صيغ وأشكال الإعداد لإنجاح الدورة القادمة للمجلس الوطني للحزب التي ستنعقد بالدار البيضاء يوم الأحد 7 أكتوبر 2018 الحرص على التنسيق التام مع سكرتارية المجلس الوطني لإنجاح هذه المحطة الهامة؛
– كما ناقش الوضع التنظيمي للحزب وقطاعاته ، وألح على ضرورة تظافر الجهود لتقوية هياكله وتجديد أدوات الاشتغال والعمل على خلق تعبئة استثنائية واتخاذ المبادرات والنضال على كافة الواجهات و اقتراح البدائل ودعم الحراك الشعبي. ووقف عند أوضاع حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية واستمع إلى تقرير مفصل عن اجتماع لجنتها المركزية المنعقدة يوم 5 غشت بحضور الأمينة العامة للحزب وبعض أعضاء المكتب السياسي وأخذ علما بالقرارات التي خرجت بها اللجنة المركزية ؛ والمكتب السياسي إذ يثمن الحركية التي تعرفها الفروع في هذا المجال، فإنه لن يألو جهدا لإنجاح عمل الشبيبة باعتبارها أمل الغد وشريان الدماء المتجددة.
– كما ثمن المجهودات التي تبذلها مكونات الفيدرالية للوفاء بمختلف وعودها ومواعيدها والبرامج التي وضعتها لجنها الوظيفية لإنجاح العمل الوحدوي وفي هذا الصدد يهيب بكافة فروع الحزب إلى تكثيف التنسيق مع مكونات الفيدرالية وتقوية الجسور على مختلف الأصعدة.
المكتب السياسي
الدار البيضاء في 9 شتنبر 2018