يبدو بشكل واضح أن مهمة تبرير تحالف حزب الكتاب مع حزب القنديل أنيطت بأحد أعضاء الديوان السياسي للحزب الأول ومنسق جهة الدار البيضاء – سطات خلفا لأحمد زكي. يتعلق الأمر بعبد الرحيم بنصر الذي نشر لذات الغرض مقالا بعنوان “رفعا لكل لبس وسوء فهم..” في موقع “الحوار المتمدن”، عدد 5481 بتاريخ 2017/04/04. والملاحظ أن المرافعة المتضمنة للمسوغات التي قدمها الكاتب لتبرير تقاسم الكعكة الحكومية جاءت متزامنة مع قرب نهاية الولاية الأولى التي أعقبت انتخابات 25 نونبر 2011 واندرجت في المرحلة التي شهذت البلوكاج الحكومي الذي أطاح ببنكيران من الرئاسة ليحل محله سعد الدين العثماني.
يبدأ عبد الرحيم بنصر مقاله بالإشارة إلى أنه خلال الولاية الأولى تعرض حزبه لسيل من الانتقادات بسبب مشاركته في حكومة بنكيران مع أن الأخير يترأس حزبا ذا مرجعية إسلامية ويتعارض مع بقايا الحزب الشيوعي إيديولوجيا. بعد ذلك، يحاول المنظر السياسي نفي الأطروحة التي تدفع بكون حافزهم في ذلك هو الحصول على مقاعد وزارية لأنهم ألفوا المشاركة في تسيير الشأن العمومي وضحوا لذلك بهويتهم ” التقدمية الاشتراكية” وبماضي ناضل من أجله طيلة عقود من الزمن مناضلات ومناضلون في ظروف صعبة و بذلك يكونون قد انحرفوا عن هويتهم و عن مشروعهم المجتمعي.
. في فقرة تالية، يزعم الكاتب أن التطورات و الأحداث وحصيلة الحكومة والوقائع أثبتت بطلان تلك الانتقادات وأيدت صحة مواقفهم. وبما أن البعض – يقول المنظر – لازال يرفض الاعتراف بهذه “الإيجابيات” و لم يستوعب محددات مشاركتهم،. اضطر لكتابة هذا المقال قصد عرض ما اعتبره، انطلاقا من مرجعية وتحاليل الحزب الذي ينتمي إليه و من تَمَوْقِعِهِ الاجتماعي، عناصرا للتوضيح لعله سيسهم بهذا في تبديد بعض الخلافات المرتبطة بالحيثيات و الخلفيات الفكرية لمشاركتهم في هذا الائتلاف.
في نهاية نفس الفقرة يعترف بنصر بأنه ليس من الْهَيِّنِ استيعاب المحددات العميقة لهذا القرار حيث أنها كانت، في جل الأحيان، كامنة و غير صريحة في كتاباتهم وخطاباتهم، و نظرا أيضا، لتفرد هذه التجربة في العالم العربي بالخصوص الذي اعتاد على اصطفافات و تحاليل سياسية وايديولوجية على أساس ثنائية تقليدية متعارضة بصفة مطلقة لا تقاطع فيها من قبيل: يسار / يمين، رجعي / تقدمي، حداثي / محافظ، متدين / ملحد، رأسمالي / اشتراكي..لكنه نسي أن هذا التحليل ذو طابع براغماتي وميكيافيلي يبرر الحربائية ويسوغ منطق “من أين تؤكل الكتف؟” ويرفع بشكل ضمني أو صريح شعار “الراس اللي ما يدور كدية” ويتبنى مقولة “الغاية تبرر الوسيلة”!! أكيد أنه لشيء ما اتصفت سياسة الحزب بالمرونة..
وظنا منه أنه حسم مع الخصوم المنتقدين، مر الكاتب إلى عرض بعض العناصر المؤسسة لمقاربة حزبه التحليلية مع التذكير بتوصيفه للمرحلة التاريخية الراهنة قبل بسط محددات تحالفاتهم الحالية و توضيح الطبيعة الطبقية لحزب العدالة و التنمية و الختم ببعض الأفكار استشرافا للمستقبل. ففيما يخص النقطة الأولى التي سأكتفي بالوقوف عندها دون الانتقال إلى سواها، انساق صاحب المرافعة إلى تمويه مفاده أنه لم يسبق لحزبه أن اتخذ قراراته السياسية على أساس المبادئ العامة وحدها، دون استحضار الظروف الواقعية التي عليه أن ينفذ سياساته فيها، دون أن يدرك أن هذه السياسة نفسها يمكن أن تكون غير صحيحة في حالات أخرى تبعا للظروف المحددة لذلك. ومتى كان الإنصات لنبض الجماهير ودعم احتجاجاتهم وتظاهراتهم متعارضة مع مبادئ الحزب الذي يدعي أقطابه أنه حزب يساري سليل الحزب الشيوعي بينما أحزاب يسارية أخرى، كالاتحاد الاشتراكي، سليلة لحزب الاستقلال؟
الغريب في الأمر أن الكاتب يدعي أن حزبه حدد دائما، في كل حالة، أي سياسة يجب اتباعها على ضوء الظروف المحددة متسلحا في ذلك بمنهجه التحليلي الجدلي الذي يقارب الواقع في حركيته و تَغَيُّرِهِ الدائم لمعرفة الأشياء كما هي في تحققها الفعلي، لا في تصوراتها الوهمية ولا في جزئياتها المنعزلة. وهكذا تحول المنهج الماركسي من أداة ثورية لفهم الواقع في أفق تغييره لصالح المقهورين والكادحين إلى وسيلة لتبرير المغانم الزائلة والمصالح الشخصية الصيقة على حساب تطلعات الطبقات الفقيرة إلى الخبز والكرامة والحرية والديمقراطية.
بكل دغمائية وتضليل، يقول بنصر إن حزبه عمل بعد تحليله للواقع الملموس لبلادنا، في جميع أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و الثقافية، وللتناقضات المترتبة عنه على توصيف المرحلة التاريخية الحالية وتحديد أهدافها الكبرى والمتمثلة في بناء الدولة الوطنية الديموقراطية الحديثة عبر استكمال وتعزيز الوحدة الترابية، تطوير قوى الإنتاج والارتقاء بها إلى مستوى يسمح بوضع أسس اقتصاد وطني مُدْمِج للأغلبية الساحقة للمواطنين ومتحكم فيه، تطوير المؤسسات والممارسات الديموقراطية، ضمان الحماية الاجتماعية للفئات العريضة من جماهير شعبنا، التوزيع العادل للخيرات.
كلام جميل، لكن عيبه الكبير أنه لم يتحقق منه ولو النزر القليل طيلة الولاية البنكيرانية غير المأسوف عليها. مثلا،هل حققتم الحد الأدنى من مواصفات الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة علما بأنكم مشاركون في الحكومة منذ تجربة السيد عبد الرحمن اليوسفي؟ أعتقد شخصيا أن دفوعاتكم هاته لم تتعد نطاق المزاعم، خصوصا بعد الاعتقالات والتعذيبات التي طالت بعض المشاركين في حراك الريف والتي أوحت للقوى الحية في البلاد بعودة سنوات الجمر والرصاص..
لنسلم جدلا أن الحكومة التي تشاركون في أغلبيتها ماضية قدما في تنفيذ هذا البرنامج الذي قدمت خطوطه العريضة بصفتك عضوا في الديوان السياسي، لكن الوتيرة البطيئة التي تعمل بها مع التقدم بخطوة إلى الأمام والتراجع بخطوات إلى الخلف تفرض على الشعب أن ينتظر قرونا طوالا ليتحقق له الحد الأدنى من المطالب التي وردت في مرافعتك.