نظمت حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية فرع فاس، شبيبة الاشتراكي الموحد، يومه السبت العاشر من ماي الجاري بمقر الكنفديرالية الديموقراطية للشغل بمدينة فاس، ندوة فكرية حول المستجدات التي تشهدها الساحة التعليمية المغربية.
وجاءت هذه الندوة استكمالا للنقاش الذي سبق وأن فتحته الشبيبة اليسارية حول “المسألة التعليمية والبديل الديمقراطي” خلال شهر دجنبر من سنة 2018.
وقد عرفت هذه الندوة مداخلات جد قيمة للأساتذة المؤطرين لموادها؛ فقد كانت البداية مع عرض الأستاذ منير الحجوجي تحت عنوان “السياسات التربيوية والتحضير للمحرقة ” وهو أستاذ للغة الفرنسية بكلية العلوم والتقنيات وصاحب كتاب “القوات المسلحة الإيديولوجية”، كما له عدة ترجمات لمفكرين غربيين على سبيل الذكر جون بوديار، إدكار موران وغيرهما. خلال عرضه حاول الأستاذ منير الوقوف عند المشاكل التي تتخبط بها المدرسة العمومية المغربية والحرب التي تشن عليها سواء داخليا أو خارجيا من طرف الدولة، حيث قال بأن الحرب الداخلية تتجلى في تجويع الأستاذ وجعله متسولا، همه الوحيد هو البحث عن الخبز فقط. هذا بالإضافة إلى تسطيح المقررات والترويج لبيداغوجيا مضادة للتعليم، ثم قتل الحلم في المتعلم لصالح النسق، إذ لا يمكن الحديث عن مدرسة سليمة بوجود متعلمين تم حقنهم مسبقا بأجوبة ميتافيزيقية تقتل فيهم ملكة البحث والنقد. وقد أرجع الأستاذ منير الحجوجي هذا الأمر إلى كون الطفل يلج المدرسة وهو مشبع بأجوبة أنتروبولوجية تساهم في اقتلاع ملكة السؤال والنقد عبر إعطاء أجوبة تحقق سعادة أخروية برعاية من الديانة الوهابية، فيما تعمل الديانة السلعية على تحقيق سعادة دنيوية عبر ما خلقته الرأسمالية من سلع تجتث الفكر العقلاني من الجذور وتقضي على مشروع الطفل النقدي. ولقد ختم الأستاذ منير عرضه بتساؤله إن كانت الدولة لا تعي بأن المدرسة هي من أسباب التقدم، إذ إن اللامبالاة التي تكرسها تجاه المدرسة رغم انهيارها ستؤدي ثمنها فادحا بالإضافة إلى سكوتنا نحن حسب قول الأستاذ منير.
أما مداخلة الأستاذ محمد العاوني، أستاذ للتعليم الابتدائي وعضو حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية فرع فاس والكاتب المحلي لجمعية أطاك مجموعة فاس، فقد تمحورت حول “السياسات النيوليبرالية وانعكاساتها على المدرسة العمومية” حيث استحضر أهم المراحل التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والتطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي بعد ظهور الرأسمالية المتوحشة، والتي أفرزت نظاما نيوليبراليا بعد الإصلاحات الضريبية لصالح الرأسماليين.
وقد قارب الأستاذ محمد العاوني المشاكل الاقتصادية العالمية وما مدى انعكاسها على المغرب وبالتالي على المدرسة العمومية، لاسيما ما تقوم به المؤسسات المالية الدولية من خلال سياسة التقويم الهيكلي “توجيه السياسات” عبر فرض مجموعة من الإصلاحات، كتقليص ميزانيات القطاعات وخوصصة أخرى، والتي تعد ورقة ضغط تستخدمها الجهات المانحة. كما تطرق الأستاذ العاوني إلى جملة من المشاكل التي تخلقها الدولة من أجل تمرير مخطاطاتها الرامية إلى خوصصة التعليم، كتشجيع التعليم الخصوصي وتسهيل المساطر الخاصة به، اعتماد نظام SEGMA حيث ستصبح مؤسسات التعليمية لقطاع العام مسيرة بشكل ذاتي في حال نجحت الدولة في فرض مخطط التعاقد الذي يعد بمثابة سكين ذبح وريد المدرسة العمومية والأساتذة و الوظيفة العمومية كذلك. لينهي المتحدث مداخلته بتساؤله عما سيقوم به المجتمع بمختلف شرائحه بعد أن تحولت المدرسة من قاطرة للقيادة إلى عربة مجرورة.
استكمل الأستاذ عثمان زويرش مواد هذه الندوة وهو أستاذ لمادة علوم الحياة والأرض وعضو مكتب الاشتراكي الموحد بفاس حيث قال بأن الحديث عن واقع التعليم بالمغرب يحتاج إلى استقراء السيرورة التاريخية والتراكمات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال، بحيث عرفت بداية هذه الحقبة التاريخية تطورا نضاليا شعبيا، دفاعا عن المدرسة العمومية ومجانية التعليم، توجت بانتفاضة 23مارس 1965 كرد على المخطط الثلاثي، بعد أن اتجهت الدولة نحو خوصصة هذا القطاع عبر تنزيلها لمجموعة من المخططات نذكر الميثاق الوطني، المخطط الاستعجالي، الرؤية الاستراتجية… وآخرها نهج سياسة/مخطط التوظيف بالتعاقد…
وفي هذا السياق يأتي تنزيل قانون الإطار 51.17 الذي يهدف إلى القضاء على ما تبقى من مجانية التعليم عبر فرض رسوم تسجيل ليشمل الأسر الميسورة وتعميمه بشكل تدريجي بعد ذلك على كل الأسر المغربية.
تأتي معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد البطولية في هذا السياق، يقول الأستاذ عثمان؛ سياق التصدي للسياسات اللاشعبية التي تمضي الحكومة في تنزيلها في قطاع التعليم، حيث خاضت هذه الفئة منذ تأسيس تنسيقيتها في 3 مارس 2018 سلسلة من الإضرابات والمسيرات الإقليمية الجهوية والوطنية واعتصامات ومبيتات ليلية عرفت قمعا رهيبا بمختلف ربوع البلاد (معتصم الرباط، طاطا، تطوان، فاس…) خلفت وراءها العدد من الإصابات المتفاوتة الخطورة، على الرغم من سلمية نضالاتها المطالبة بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية المخولة بموجب الدستور والمواثيق الدولية… بعدما لم تنل الهراوات من إرادة الأساتذة، لجأت الوزارة إلى لغة التهديد والتخويف عبر إرسال إشعارات بترك الوظيفة، والضغط على الأساتذة المضربين بدفعهم لتكسير خطوة الإضراب الشامل الذي يشل جل المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني، بالإضافة إلى الخرجات الإعلامية التهديدية، وليس هذا فقط بل شرعت بعض المديريات بتقديم شكايات ضد مناضلي التنسيقية على سبيل المثال ذ. صفية كجي منسقة برشيد.
وكما اتجهت التنسيقية إلى التنسيق مع باقي الفاعلين من التنسيقيات التعليمية المتضررة والفاعلة (أساتذة الزنزانة9، ضحايا النظامين، الترقية بالشواهد،…) في إطار نوع من الانفتاح الميداني على هذه الحركات الاحتجاجية والتي لقت دعما جماهيريا لمعركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بهدف تشكيل المزيد من الضغط على الحكومة ووزارتها الوصية على القطاع من أجل الرضوخ لمطالب الشغيلة التعليمية بدون قيد أو شرط…
إذن، فمعركة تنسيقة الأساتدة الذين فرض عليهم التعاقد النضالية _يقول الأستاذ زويرش _ هي معركة من أجل المستقبل؛ هي معركة الدفاع عن المدرسة والوظيفة العموميتين من الاستهداف المتواتر للحكومة بإيعاز من الدوائر المالية الإمبريالية، وهي معركة ومسؤولية الجميع، بل هي فرصة تاريخية من أجل إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، حيث نجدد دعوتنا لكل من له الغيرة على هذه الأخيرة بدعم وإنجاح هذه المعركة النضالية والمساهمة فيها، حيث آن الأوان لتتضح المواقف ولتتضح المواقع خاصة وقد أضحت المدرسة العمومية معطوبة تنتج البؤس…