الدستور الديمقراطي لا يتعايش مع التقاليد المرعية
عزيز إدمين ما هو تقييمكم للمطالب الجديدة للإصلاح الدستوري في “العهد الجديد”؟
محمد الساسي: خلال “العهد الجديد تجددت المطالب بالإصلاحات الدستورية، فقد سبق أن طرحت مذكرات، فكانت الأولى التي وقها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي سنة 1991، ثم مذكرة وقعتها الكتلة سنة 1992، ومذكرة ثالثة وقعتها الكتلة سنة 1996. لكن لم يسبق للماضي أن كانت القوى السياسية المغربية تتقدم بمذكرات خاصة بالإصلاحات الدستورية وفيها مقتضيات مفصلة، لاشك انه في المناسبات التي يقع فيها حوار أو مفاوضات بين النظام السياسي وقوى المعارضة، كانت تقدم له أفكار في الموضوع خاصة في دستور 1972، لكن تقديم مذكرات مكتوبة لم نشهده سوى ابتداء من 1991. لكن هذا التقليد بدأ ممهورا أو مطبوعا بنوع من التقاليد المرعية، بحيث أن المذكرات التي وجهة للملك لم يتم نشرها على العموم. واستمر هذا التقليد إلى ما بعد أن صدرت الدساتير التي كانت هذه المذكرات بمقترحات لتضمينها فيها.
بعد ذلك سوف نشهد تحولا على مستوى هذه الممارسة، تجلى في انضمام المجتمع المدني لهذه الحركية، من خلال تقديم نوعين من العمل، عمل تم عن طريق عمل جماعي عن طريق النسيج الجمعوي وهذا العمل تتقدم فيه مطالب تخص عدة جوانب للبناء الدستوري. وهناك مطالب تخص جانبا محددا مثل مطالب الجمعيات الأمازيغية بالنسبة لقضية الهوية ثم بعد ذلك ستأتي مطالب متعلقة بالتنظيم الترابي وغير ذلك…
المسألة الثانية، أصبحت هاته المطالب سواء تقدمت في شكل مذكرات للملك مثل مذكرة حزب الاشتراكي الموحد، أو تم الاتفاق عليها دون أن تسلم للملك فإنه يعلم عنها. فمثلا مذكرة الاشتراكي الموحد تم الإعلان عنها ونشرها على العموم.
س: فيما يتعلق الأعراف المرعية والتقاليد العميقة لا تتعلق فقط بمسألة عدم إعلانها أو نشرها على العموم أي طرحها للنقاش في الفضاء العمومي، ولكن حتى في مسطرة تقديمها. فبعث أو إرسال وثيقة للملك متعلقة بهذا الموضوع فإنها تكرس هذه الأعراف والتقاليد. لأنه توجد مؤسسات حداثية مثل البرلمان والذي يسمح الدستور في الفصلين 104 و105 لبرلماني واحد أن يقدم مقترح دستوري وبالتالي ألا ترون أن اللجوء للمذكرات يعطل عمل المؤسسات؟ حتى وإن كان سوف يتم رفضها وعدم التصويت عليها فان التراكم يخلق التغيير، ثم سيصير مصيرها مثل مصير المذكرة الحالية.
ج: بالفعل ليس السبيل الوحيد لتعديل الدستور أو تحقيق مطالب دستورية تقديمها للملك، بل هناك إمكانيات أخرى لم تجرب، لماذا لم تجرب؟ هل لقناعة لدى الأطراف المعنية أنها لن تحصل على الأغلبية المطلوبة لتمرير مقترحاتها إلى الاستفتاء؟ أم هل تعتبر في سلوكها هذا تدخل مع الملكية في صراع أي تتخطى حدود احترامها للملك؟
أنا أظن من جهة، تزعجني كثيرا المقولة التي يرددها قادة الأحزاب السياسية والتي كلما سئلوا عن فحوى الإصلاحات الدستورية التي نحن في حاجة إليها، إلا وقالوا بأن هاته الإصلاحات لا يمكن أن تتم إلا بتوافق مع الملك. لان التوافق مع الملك يهم المسطرة ولا يعني المضامين. فالتوافق مع الملك لا يمنع أن تكون لها رؤية وان تقدم مقترحاتها وان تفصح عن هاته الرؤيا بشكل واضح.
لكن من جهة أخرى اعتبر انه نحن في البلاد لم نحقق بعد الانتقال الديمقراطي إذن لم نؤسس للانتقال الديمقراطي. واعتبر أن الانتقال الديمقراطي هو اتفاق الفاعلين الأساسيين الموجودين في مجتمع معين على صيغة المساطر التي تنظم البناء الديمقراطي في بلادهم، وعند الاتفاق على هذه المساطر أنداك ممكن تشغيلها. اليوم وبإجماع أغلبية الأحزاب السياسية تتفق أن الملكية طرف أساسي في معادلة التعاقد الوطني الذي يوفق الانتقال الديمقراطي. فالملكية من جهة الأحزاب السياسية من جهة ثانية، الحركة الإسلامية من جهة ثالثة، المجتمع المدني في رأيي من جهة رابعة. فالملكية تمثل التعدد الاثني المغربي، تمثل الاستمرار السيادي للدولة، وتمثل المؤسسة الدينية والعسكرية وغير ذلك. وبقيت القوى السياسية تشخص الحساسيات الأخرى، هذه الحساسيات الأخرى مطالبة بأن تتوافق على دستور ديمقراطي، يفتح المجال للانتقال نحو الديمقراطية.
الدستور الديمقراطي أم دستور انتقال ديمقراطي؟
س: في هذه المرحلة هل نحن بحاجة لدستور ديمقراطي أم لدستور انتقاال ديمقراطي يمهد لدستور ديمقراطي؟ وفي هذا الإطار أتحدث عن موجة الانتقال الديمقراطي الذي انطلقت منذ منتصف السبعينات وما أنتجته من موجة جديدة لدساتير الانتقال الديمقراطي كتجاوز للنظرية الكلاسيكية لدساتير فصل السلط. وداخل السؤال اطرح سؤالا حول المرجعية للدستور الديمقراطي الذي تطالبون به؟
ج: الأصل أن تجربة التناوب كان يجب أن تكون مؤطرة بدستور انتقال ديمقراطي، يمكن أن نعتبر بأن دستور 1992 شكل خطوة هامة نحو الملكية البرلمانية. والدستور الديمقراطي بالمغرب هو دستور الملكية البرلمانية، كيف ذلك؟ لأنه لا يمكن التوفيق بين ملكية وراثية وقواعد الديمقراطية وآلياتها إلا عبر الملكية البرلمانية. لم تخترع الإنسانية صيغة أخرى. فتجربة التناوب عبر الدستور الانتقالي، مثلا دستور 1992، كان من المفروض أن يخلق نوعا من الشراكة في القرار، هناك مصدر للقرار يفيض عن صناديق الاقتراع، هي أغلبية برلمانية تعطينا حكومة ووزيرا أولا، وهناك مصدر ثاني للقرار يشخص الطريق ويشخص الاستمرارية هو المؤسسة الملكية. إذن المرحلة كانت تقتضي أن هذين العنصريين أو الطرفين سيكونان المساهمان الأساسيان في وضع خطاطة الدستور الديمقراطي الذي سوف يعرض على الاستفتاء، بمعنى بدأنا بنوع من الشراكة في اتخاذ القرار في انتظار أن نوثق عن هذه الشراكة كمدخل، أن نلج بها مرحلة أخرى هي القرار بيد المنتخبين ويكون للملكية أدوار رمزية وادوار تحكيمية وادوار دعم نتائج الانتخابات ودعم القوى والفاعلين الذين تنتجهم صناديق الاقتراع وتطبيق برنامجهم.
كان في الأصل أن يكون هذا في المغرب وهذا ما لم يقع، إذن التناوب كان يجب أن يبدأ بدستور انتقالي وينتهي بدستور ديمقراطي.
بالنسبة للمرجعية هناك نقاش في المغرب، البعض يقول لا بأس أن تحافظ الملكية على جل اختصاصاتها وهذه مرتبطة بالخصوصية المغربية، وانه بالعكس احتكار الملكية لعدد من الصلاحيات مفيد في السياق المغربي لأنه يضفي على القرار نوعا من القدسية والإلزام ويسمح بنوع من الاستقرار. أظن انه في المغرب فعلا لا يمكن أن نعتبر أن وجود الملكية يمكن أن يكون ضمانة للاستقرار. نحن نقول كيف يمكن أن نوفق بين الاستقرار بوجود الملكية والديمقراطية، لان كل من يقول بإنه يجب أن تبقى الملكية محتفظة بكافة صلاحياتها هو ضد الديمقراطية، ويمكن أن يكون له هذا الرأي ومن حقه أن يكون له هذا الرأي ولكن ليس من حقه أن يقول هذا الكلام ويقول عن نفسه ديمقراطيا ويجب أن يصنف نفسه في خانة المحافظين الذين يتحدثون عن تصور ما قبل الديمقراطية وليس عن تصور ديمقراطي. أما التصور الديمقراطي فهو مبين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقوم على قاعدتين ويمكن أن نضيف قاعدة ثالثة ناتجة عنهما، القاعدة الأولى الإرادة العامة هي سلطة نمط الحكم بمعنى الإرادة العامة هي التي يجب أن تكون المرجع في إدارة الشأن العام. القاعدة الثانية أن التعبير عن هذه الإرادة يتم التعبير عنها بالانتخابات. ويفيض عن هاتين القاعدتين قاعدة ثالثة هي من يحكم يجب أن يحاسب فالحكم مسؤولية وجزاء. هاته القواعد المكرسة عالميا يفترضن في نظام ملكي وراثي أن يتحول إلى نظام ملكية برلمانية وإلا، لا يمكن أن نؤمن نفاذ وتفعيل وتسيير هذه القواعد.
ففي النظام الوراثي الملك لا ينتخب.
النظام الوراثي الملك لا ينتخب والبيعة ليست تعاقد اجتماعي او انتخابي
س: البيعة أليست نوعا من الانتخاب؟
ج: هناك من يطالب بدسترة البيعة. جيد، نحن أمام قواعد كونية وتقول بالانتخاب، هل البيعة انتخاب؟ لكي نعرف ذلك، هل هي تعبير عن إرادة؟ لان الإرادة العامة هي سلطة مناط الحكم المعبر عنها بالانتخاب. هل البيعة تحقق معنى الانتخابات؟ لا، لانه إذا أرادت البيعة أن تحقق الانتخاب فمن حق من يمنحون البيعة الدعاية لأرائهم والأمان الشخصي وحق اختيار من يبايعونه وفي المقابل الأشخاص الذين لا يريدون منح البيعة من حقهم الأمان الشخصي والتعبير عن أرائهم والدعاية لها، هكذا يمكن للبيعة أن تحقق الانتخابات من الناحية المجردة.
من الناحية المطبقة في البيعة المغربية واضحة، فهي ميثاق غليظ يرتب على الرعايا كل الالتزامات الممكنة اتجاه الحاكم ولا يرتب على الحاكم أي التزام. هذا عدم التوازن يخرجنا نهائيا وبصورة مطلقة عن المفهوم الذي بني عليه الانتخاب وإذا قبلنا هذا المنطق يمكن أن نقول أن الإرادة العامة هي مناط سلطة الحكم ولكن التعبير عنها بأشكال مختلفة كالقول بأن الحاكم هو بصورة أدبية يعبر عن الإرادة العامة مادام هو حاكم. أعطيني حاكما واحدا في العالم يقول عن نفسه انه لا يمثل الإرادة العامة وان قراراته لا تعكس الإرادة العامة، فلا يصطدم هؤلاء بالحقيقة إلا عندما تقع الثورة عليهم.
البيعة بالمغرب تعطي صلاحيات مطلقة للملك ولا تفرض عليه أي التزام.
س: البيعة تتم وفق مجموعة من الطقوس التي تحمل دلالات تاريخية وسياسية وإيديولوجية، كيف يمكن التوفيق بين نظام ديمقراطي والبيعة؟
ج: هذا سؤال مهم ويجرنا للفصل 19 يمكن لبعض الطقوس والتقاليد أن تبقى، ويبقى لها طابع ثقافي وليس لها معنى سياسي أي أن تنحصر في مجرد طقوس. ما هي الطقوس وما الغرض منها؟ تذكرنا بكيف كنا في الماضي وتمتعنا به، مثلا كيف كان الملك يخرج على مثن الحصان، كيف يبايعه كذا، وحفل للولاء. أي الطابع الثقافي للشعوب التي هي في حاجة إلى معرفة تاريخها، بدون أن يعني ذلك الخضوع لذلك التاريخ، نتجاوز ذلك التاريخ سياسيا ومؤسسيا وبقى عليه من الوجهة الثقافية. مثلا بعض الطقوس الإمبراطورية اليابانية فيها نوع من العبودية ولكن لها طابع احتفالي ولا علاقة للسياسة بها.
اليوم تلك الطقوس الموجودة عندنا لها معنى سياسي والانتفاض عليها عليه جزاء سياسي، وبالتي أقول أن تكون هذه الطقوس ولكن بشكل احتفالي، فني وليس بالضرورة أن يكون فيها فاعلون سياسيون بل ممكن أن تضم فنانين وممثلين… ولا علاقة له بتسيير المؤسسات.
س: أطرح مسألة البيعة لأنه لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي يتم انتقال الحكم أو الاستخلاف بوجود قاعدتين هما البيعة والفصل 21 من الدستور، وبالتالي البيعة هل هي مؤسسة أم مكملة لنظام الحكم بالمغرب؟ من جهة أخرى بيعة 1999 لمحمد السادس نجد عناصر جديدة من ناحية الجنس ومن ناحية الفاعلين. ألا يشكل ذلك تحولا في مفهوم البيعة؟
ج: اتفق معك في هذا السؤال، أقول أن النظام لم يكن محتاجا للبيعة التي تمت والتي انفرد النظام بصياغتها وفرض تطبيقها وبالتالي لم يكن محتجا لها بالمنطق التأسيسي، لان الدستور يحسم في هذه المسألة وبدون أية مشاكل.
س: إذن لماذا لجأ النظام إلى البيعة؟
ج: أظن أن النظام بحاجة إلى البيعة هي تفيض على فكرة موجودة في النظام المغربي اسميها شخصيا “بديمقراطية الرفوف”، حيث النظام السياسي في الأحوال العادية يعتمد على نصوص قانونية في علاقته مع الفاعلين وفي بعض الظروف الاستثنائية يستخرج بعض النصوص التي لم نكن نتصور انه سوف يتم استخراجها في تلك الحالة. فمثلا أنت تتصور في تعامل النظام مع الصحافة بأنه يعتمد على قانون الصحافة وإذا به يستخرج نصوص غريبة ووضعت مقتضياتها في ظروف معينة ولأشياء معينة كنصوص المخدرات وجرائم أخرى يتم تطبيقها على الصحافة.
يريد النظام أن يبقى له سلاح احتياطي وهو سلاح البيعة متى ما لاحظ أن النصوص لا تسعفه في تمرير قرارات ضد النصوص فيبنيها على البيعة. طبعا هذه أشياء عشناها مع الملك الحسن الثاني في معاقبة النواب البرلمانيين الذين خرجوا من البرلمان لانه ليس لديه النص، فقال أنا بوصفي أمير المؤمنين. إذن إمارة المؤمنين لا تستقيم من المنظور الكلاسيكي إلا بوجود البيعة إذن فهي بالإضافة إلى أنها تذكير وتنبيه وإنذار عقلاني للفاعلين السياسيين بأن علاقتهم مع النظام لا يمكن أن تبنى على نوع من الندية والمساواة وبأنهم في حالة تبعية مطلقة للنظام، بالإضافة إلى هذا المعنى الرمزي للعلاقات السياسية هناك في رأيي المعنى الاحتياطي أو “ديمقراطية الرفوف” الذي يمنح للملك متى تضايق من “القيود” على محدوديتها، يمكن أن يتجاوز كل النصوص المكتوبة ويتجاوز الدستور بكامله بدعوى انه يستعمل سلطة غير موجودة في الدستور بالارتكاز على البيعة.
الفصل 19 دستور داخل الدستور
س: هل ممكن أن نعرف بعض الأحداث أو الوقائع التي فعل فيها الفصل 19 وتم خرق مواد قانونية أو دستورية؟ في إطار نموذج الاتحاديين المنسحبين من البرلمان وإذا عدنا لخطاب الملك الراحل نجد فيه مستويين من الخطاب، المستوى الأول الذي يقدم فيه الحسن الثاني اجتهاده ورأيه الفقهي في مبدأ عدم “رجعية القوانين” ثم مستوى ثاني الذي يتحدث عن إمارة المؤمنين. بالإضافة إلى ذلك ألا ترون انه من داخل الفصل 19 ظهرت مؤسسات حداثية وعقلانية وهنا ألا يمكن أن نقدم للفصل 19 قراءة جديد؟
ج: البيعة التي وقعت سنة 1999 لها وضيفة أخرى بالإضافة للوظائف التي لديها وهي تحيين الفصل 19، هناك من يعتقد أن القراءة الكلاسيكية التي قدمت للفصل 19 هي مجرد قراءة ويمكن أن نقرئها قراءة أخرى. الرد على هذه المقولة الرسمية الكلاسيكية هي التي فرضت في العمل إذا أية قراءة أخرى لن تجد طريقها للتطبيق، إذن الإلحاح على تقديم طقوس البيعة سنة 1999 تحيين هذه القراءة والتشبث بها، وسوف نلاحظ حتى في كتاب الأستاذ العروي “من ديوان السياسة”، يتحدث عن أننا أمام نص دستوري مع احتمال قرأتين، ويمكن أن نقول بأن القراءة الثانية الديمقراطية للنص، وربما ما يدعو إليه العروي، مقصية بفعل وقائع على مسرح الأحداث مثل البيعة، فالبيعة هي إقصاء للقراءة الأخرى، وطقوسها تفعل الفصل 19 وتعطيه معنى القراءة الكلاسيكية.
بالنسبة للحظات التي استعمل فيها الفصل 19 بشكل مخالف للنصوص سواء الموجودة في الدستور أو الموجودة في قوانين أخرى، الأمثلة متعددة، وبصورة عامة تنبني قراءة الفصل 19 كما قدمها باحنيني بالشكل التالي، عمليا الملك له جميع الصلاحيات، هذه الصلاحيات تنبع من وظيفة الإمامة التي يمارسها، إذن إذا تخلى عن هذه الصلاحيات كأنه تخلى عن مقوم من مقومات الإمامة، فالإمامة تفرض عليه هذه الشمولية في الصلاحيات ،جيد، بالإضافة لتمتع الملك بكل هذه الصلاحيات لماذا هناك قضاء وحكومة وبرلمان؟ بحسب هذا المنطق هذه السلطات كلها تمارس ليس أصالة عن نفسها ولكن تمارس بتفويض وتوكيل من طرف الملك، وهو المصدر الأصيل لتلك السلط لأنه الحاكم التنفيذي الأول والقاضي الأول والمشرع الأول. الصلاحيات للجهاز التنفيذي والتشريعي هي صلاحيات تمارس بالوكالة، إذا اقتضى الملك في مرحلة من المراحل أن يمارس صلاحياته الأصلية فلا بأس حتى لو كانت حسب النصوص متروكة لغيره. إذن كما كان يقول الحسن الثاني لا يمكن تصور فصل السلطات على مستواي. إذن ممكن أن نتصور فصلا تقنيا للسلطات أي فصلا للأجهزة.
س: إذن ليس هناك خرق أو تعطيل للدستور والقوانين ولكن هناك فقط الملك يسترجع اختصاصاته الأصلية التي كانت مفوضة، وبالتالي الإشكال غير موجود في الفصل 19 ولكن ما يمكن أن نصطلح عليه “حرب التأويلات”.
ج: يمكن أن نقول أنه ليس هناك خرق للقانون انطلاقا من التأويل الكلاسيكي للفصل 19، ويمكن أن نقول أن هناك خرق للقانون إذا قدمنا تأويلا أخر كما يقترح العروي للدستور. المشكل هو هذا التأويل الآخر كيف يمكن أن نفرضه في الواقع؟ هذا هو السؤال.
إذن لأعود للأمثلة، الملك في ممارسته للسلطة التنفيذية ممكن أن يمارس صلاحيات هي في النصوص مكلف بها الوزير الأول، ولاحظنا هذا في تعيين رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، فبالرغم من الفصل الثالث من المرسوم يعطي للوزير الأول أن يعين الرئيس فان الملك من تكلف بذلك، حسب ما أخبرتنا به وكالة المغرب العربي للأنباء. قضية الوكالات كذلك. الملك مشرع ويصدر نصوص تخرج من القصر الملكي للمطبعة الرسمية بدون أن تمر بالبرلمان.
الفصل 46 من الدستور الذي يحدد مجال تدخل البرلمان في المجال التشريعي خاصة في مجال الحريات والحقوق، الملك أصدر نصوص تدخل في هذا الإطار، خرجت من القصر الملكي للجريدة الرسمية وبدون الرجوع للبرلمان، كالأمور المتعلقة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وديوان المظالم، وتركيبة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري. أيضا في المجال القضائي، يمكن أن نعتبر الملك خاصة الحسن الثاني، صرح بأنه ممكن اللجوء إلى إصدار الأحكام بدون اللجوء للقضاء، خاصة فيما يتعلق بمعاقبة البرلمانيين الاتحاديين المنسحبين من البرلمان.
الوزير الاول والبرلمان ليسا سوى خدام الملك
س: هنا يطرح تساؤل ما الذي لا يسمح للفاعل السياسي أن يتشبث بممارسة اختصاصاته، كالبرلمان والوزير الأول لا يتشبث بتفعيل مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 24؟
النقطة الثانية هل الإشكالية في المغرب إشكالية دستورية/قانونية أم أنها إشكالية ممارسة وثقافة سياسية؟ فمثلا تعديل الفصل 24 كما تطالبون في مذكرتكم، فان جميع دساتير العالم باستثناء دستور اليونان لا تقول بكون الوزير الأول ينبع مباشرة من الأغلبية البرلمانية.
ج: المشكلة فيهما معا، فلا يمكن القول أن المشكل في النصوص فقط، حتى لو غيرنا النصوص ممكن لسلطة معينة أن تجد التبريرات للاستحواذ على وظائف ليست وظائفها. إذن فالمشكل لا يكفي في تعديل القانون، يجب تأهيل الحقل السياسي ليستقبل ويتفاعل مع النص الجديد، طبعا هناك مشكلة نص لا يطبق وهناك مشكلة نص، هناك صلاحيات للحكومة والوزير الأول أو للبرلمان لا تمارسها، إما تزهد في ذلك وإما يمارسها الملك ولا تحتج ولا تظهر انزعاجا بل تبارك ذلك الترامي عليها. لماذا؟ هذا يعود بنا إلى بداية تجربة التناوب، فالمؤسسات العاملة بجوار الملك في المعمار الدستوري، هي ضعيفة من خلال النصوص وتزداد ضعفا من خلال الممارسة، تطرح مشكلة ما الذي يجعل هذه المؤسسات ضعيفة من خلال الممارسة؟ لماذا لا تستعمل صلاحياتها كاملة. هذا في نظري يتوقف على السياق الذي تمت فيه بناء هذه المؤسسات، واهم هذه المؤسسات هي البرلمان، الحكومة والوزير الأول، السياق الذي دخل فيه اليسار للحكومة، حيث لا يمكن أن ننتظر من اليمين التقليدي، التابع، المحافظ أن ينفخ في الممارسة السياسية روحا جديدة تمكن المؤسسات أن تفعل كافة صلاحياتها، فاليسار هو الذي ننتظر أن يلعب هذا الدور. لماذا إذن لم يلعب هذا الدور؟ لماذا حكومة التناوب لم تظهر نوعا من القتالية في التشبث بصلاحياتها أو حقها بالشراكة على الأقل في اتخاذ القرار؟ مادام النص لا يمنحها إمكانية اتخاذ القرار بل إمكانية فقط أن تشارك نوعا ما في اتخاذ القرار، لان السياق الذي افرز التناوب هو سياق ضعف وليس سياق قوة، فاليسار لم يدخل في سياق قوة بل ضعف، يعني دخولها لم يتم كتتويج لمسار نضالي وكانت خلفها جبهة قوية وجعلت الدخول يكون أمرا محسوما ومتوقفا عليه ويرسم معه معركة يعبئ عبرها لمختلف الطاقات، بهذا العنفوان والقوة والوضوح والإرادة في انه إذا ما وقع الترامي على اختصاصاتها سوف تنتفض، لم تدخل في هذا السياق. بل دخل اليسار إلى هذه التجربة من موقع ضعف وتراجع وموقع شعور انه لم يعد له بدائل كثيرة، وهذا التناوب تم وفق أجندة ملكية وتصور جاهز من قبل المؤسسة الملكية. نحن لم ندخل أجندة قررناها نحن أو شاركنا فيها أو وفق تصور مسبق كان موضوع تعاقد أو تفاوض. إذن الأشياء الأخرى جاءت نتيجة لهذا السياق.
هذا فيما يتعلق بالوقائع فيما يتعلق بالنص فنحن بحاجة لتعديله، أولا لنستقيم مع الديمقراطية، ثانيا لهجر وإنهاء ازدواجية الدولة التي عبر عنها اليوسفي بازدواجية سلطة الحكومة والسلطة الدولة في تدخله أمام اللجنة الإداري للاتحاد الاشتراكي ب 29 مارس 2003. هذه الازدواجية، التي تجعل هناك مشروعية قائمة على البيعة وإمارة المؤمنين، وهناك مشروعية قائمة على النص والاستفتاء، التي تجعل النص الدستور محجورا، تحت ذريعة إعمال المشروعية الأولى. بصيغة أخرى نحن بحاجة لدستور حقيقي على الأقل بمعناه الكلاسيكي أي دستور فصل السلط وليس دستور صك الحقوق، دستور دائم يقيد السلطة، وعندما لا يقيد السلطة كحالتنا فإننا نعتبر لا نعيش دستورا حقيقيا.
س: الدساتير الجديدة تنبني على مثلث دستور هو السلطة، التنظيم والمواطن يقابلها دستور فصل السلط، دستور صك الحقوق ودستور المواطنة …
ج: هناك أسباب أخرى تدعو إلى الإصلاح الدستور، فبالإضافة إلى الأسباب التي ذكرت قبل قليل وهي أشياء ذات طابع قار، هناك أشياء ذات طابع ظرفي كالدروس التي افرزها التناوب مثل المؤسسات التي تم إنشاؤها كديوان المظالم وغيره، ممكن أن تدخل في الدستور وتكون لها قيمة دستورية، مثلا قضية الغرفة الثانية هناك إجماع لدى الطبقة السياسية إما على إلغائها أو على الأقل تقليص اختصاصاتها، أيضا قضية الحكم الذاتي في الصحراء يجب أن يعدل الدستور ليشكل وعاءا للتطبيق المحتمل لهذه الفكرة، أيضا المكاسب التي حققتها اللغة والثقافة الامازيغيتين يجب أن تنعكس في الدستور، لأنه إذا عدنا لميثاق أكادير الذي يمكن أن نعتبره بمثابة دستور الحركة الأمازيغية نجد تقريبا أن كل القضايا والمطالب تم تطبيقها باستثناء دسترة الامازيغية.
الدستور اليمقراطي مع التعدد الثقافي والديني والعقائدي
س: دسترة الامازيغية كلغة وطنية أو رسمية؟
ج: آنذاك قالوا لغة وطنية ولكن طوروا مطالبهم لتكون لغة رسمية.
س: الدستور الديمقراطي يجب أن يعتبرها لغة رسمية أم وطنية ؟
ج: حسب رأي الفاعلين هذا مطلب مرتبط بالهوية والمبادئ العامة والذي يمكن أن تتعدد الآراء فيها.
س: في نظركم انتم؟
ج: أنا مع رسمية اللغة.
هناك مسألة أخرى متعلقة بالإسلام؛ لازال المغرب يقر بإسلامية الدولة، في حين أن هذه التسمية أصبح لها معنى آخر تعني أن الدستور المغربي يسمح بدسترة برنامج قوة سياسية معينة وهي القوى الأصولية. ممكن أن نقول عوض دولة إسلامية أن نقول بلد مسلم. أيضا قانون الأسرة؛ بعض المبادئ هي بالأهمية بمكان، يجب ترسيمها بالدستور حتى لا تغيرها أغلبية معينة، كتعريف الزواج والأسرة الذي يؤسس لنظام اجتماعي آخر، ثم أشياء موجودة في قانون الأحزاب والتطورات التي وقعت على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، كما يجب أن نغير الدستور كي نستجيب لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، كما يجب تغيير الدستور لإحكام الصيغة كالقول بأن نظام الحزب الوحيد غير مشروع، تعود هذه الصياغة في مرحلة الحرب الباردة، حيث كانت أنظمة الحزب الوحيد، والآن الحديث عن هذه الأشياء أصبح متجاوزا، لذا فالصياغة يجب أن تكون ايجابية والحديث عن حماية التعددية الحزبية.
س: أعود بك إلى نظرية فصل السلط بمفهومها الشامل وليس التقني، والقول بضرورة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وبالتالي إذا لم يكن مطلب العلمانية فلا يمكن الحديث عن النظام الديمقراطي، والعودة للفصل 19 فانه لا يمثل أي شيء في غياب الفصل 6 لان هذا الأخير يعتبر الوقود الإيديولوجي للفصل 19، إذن مطلب بلد مسلم لا يختلف عن دولة إسلامية؟
ج: هناك فرق بين دولة إسلامية وبلد مسلم، هذا الأخير يعني إقرار بواقع وهذا الواقع واقع اجتماعي وثقافي…
س: الدستور يؤطر دولة ولا يؤطر مجتمع
ج: هذا اتفق معك فيه، لكن هذا يدخل في مجال الهوية، من هم المغاربة.
س: في ديباجة الدستور تحدد الهوية، بالانتماء للإسلام، للعرب والامازيغ وإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
ج: لا يمكن أن نقول في الدستور إن المغرب ليس بلدا مسلما، عربيا، امازيغيا منفتحا على التجارب الأخرى، أي الإقرار بواقع يحدد الهوية، إذن القول بدولة إسلامية يشتغل على مستوى سياسي مؤسساتي، وفي بلجيكا مثلا يقولون ملك البلجيكيين وليس ملك بلجيكا، “البلجيكيين” هو إقرار بواقع تاريخي وثقافي، أما ملك “بلجيكا” نتحدث هنا عن مؤسسات. والحديث عن بلد مسلم هو إقرار بواقع اجتماعي ولا يفرض علينا تنحية التعددية.
الإشارة لديانة معينة لم تفرض إلغاء التعددية الدينية، وليست علامة على ذلك.
س: والتعدد العقائدي؟
ج: على كل حال التعدد العقائدي… لكن ما نتحدث عنه الآن هو إشارة الدساتير لديانة معينة أو ديانة الأكثرية، تكون هناك إشارة وتحتفظ بممارسة الديانات الأخرى، وهنا الإشارة على سبيل التمثيل لأننا نعطي امتيازا لديانة الأكثرية بالنص عليها.
س: الإشارة إلى ديانة معينة قد لا تقصي التعددية الدينية ولكن تقصي التعددية العقائدية.
ج: عندما نقول بلدا مسلما نقصد أن المغرب محكوم بكثير من التقاليد الإسلامية التي يحملها حتى من كان لادينيا، مثلا عندما يولد شخص في المغرب يسمى محمد أو عبدالله ، هذه التسمية بدون أن يكون هو قد قرر في اختياره، وعندما يصل لسن الرشد يقرر البقاء في الإسلام أو الذهاب لديانة أخرى ولكن التسمية عنده ويحملها.
إذن عندما نقول المغرب بلد مسلم فهو يتفاعل مع معطيات وتقاليد وحياة ثقافية تربطه بكتلة اسمها العالم الإسلامي، ولا يعني أن هذا غير خاضع للتطور لان المغربي المسلم اليوم ليس هو المغربي المسلم في الستينيات من القرن الماضي ولن يكون هو المغربي المسلم في السنوات المقبلة .
س إذن انتم كحزب تقدمي حداثي ينتمي للعائلة اليسارية لماذا لا يتم التنصيص على أن المغرب بلد مسلم ونظامه السياسي علماني؟ كما ينص مثلا الدستور الهندي في فصله الأول على ذلك. لكي تكونوا صريحين مع ذواتكم والشعب.
ج: طيب، هنا نقاش، في داخل الحزب وفي الساحة العامة خارج الحزب، وهذا النقاش فيه مواقف وكل موقف له سنداته المحترمة، المهم أن الحزب الاشتراكي الموحد في دخوله لهذه النقاشات لا يضع نفسه في مستوى تصور أصولي، فهو يقترح أن تكون إمارة المؤمنين رمزا وليست مؤسسات حتى تترك لباقي المؤسسات أن تشتغل بحرية، أليس في هذا نوعا من العلمانية، نحن ننص على أن المرجع الوحيد هو النص الوضعي وليس للبيعة أو شيء آخر، أليس في هذا نفحة علمانية؟ هل نصل إلى مستوى أن نقر بالعلمانية ؟ في وثيقتنا التي قدمنا للقصر لم نقل بهذا، لأننا لا يمكن أن نقول إلا بالأشياء التي كانت موضوع اتفاق بين أعضاء الحزب. ولكن في رأي يجب أن تتاح في البناء المؤسسي سد ذريعة باب تطبيق البرنامج النمطي للحركات الأصولية بدعوى أن المغرب دولة إسلامية عن طريق بلد مسلم، حتى لا يتم القول انه من الناحية الدستورية نحن ملزمون بتطبيق أمور يعتبرونها تمثل الإسلام، نحن أيضا في مقترحاتنا قفلنا الباب الثاني الذي يقر بالتداخل بين المشروعية الدينية والمشروعية السياسية للحاكم. فالحاكم موجود في إطار مشروعية دستورية وضعية قانونية، وصفته الدينية لا يجب أن تتداخل في علاقاته المؤسساتية حتى لا يصبح الدين وسيلة لشرعنة الاستبداد. وفي نفس الوقت نحن نطالب بتضمين المقتضيات المتعلقة بالحرية الدينية وعقائد الآخرين.
إذن هذه الخطوات خطوناها ويمكن أن نجملها كلها في الهاجس لدى الديمقراطية، وهي حماية الحريات والحقوق الفردية من خلال ربطها بالمرجعية الكونية، جعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة مرجعية مركزية، كل الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب تعتبر جزء من النظام العام وتعلو على التشريع الداخلي، استناد قيم النشء على قيم الحداثة والتسامح واحترام الآخر والتعايش، المرأة والرجل متساوان في الحقوق والواجبات، دسترة مجموعة من أحكام مدونة الأسرة، ضمان الدولة لحرية الاعتقاد، لا تقبل التضييق على الحقوق والحريات إلا تلك المقبولة في مجتمع ديمقراطي والتي تجيزها المواثيق الدولية. هذه المقتضيات تشبع الحاجة الضرورية والمستعجلة التي نعاني منها، وهي درء الاستبداد باسم الدين وبناء المجتمع الديمقراطي، وفي اعتقادي هذه الأشياء هل سوف تبقي على امتياز للإسلام على ديانة أخرى، نعم ولكن في حدود ضيقة ومحدودة، سميها أنت ما تريد علمانية، نصف علمانية أو ربع علمانية ولكن ما سوف يبقى هو أن المؤسسات العمومية (مدرسة، الأوقاف، الإعلام…) الدعاية للإسلام ولا يعني عدم الدعاية للديانات الأخرى عبر مؤسسات أخرى.
معنى الملكية البرلمانية
س: أعود بك إلى مسألة الدستور، الآن هناك “عهد جديد”، ملك جديد، هناك الحاجة إلى دستور جديد، والطبقة تجاوزت مسألة الصراع حول مشروعية النظام، ولكن الآن عاد مطلب الملكية البرلمانية للواجهة من خلال مذكرتكم والمؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، ظهور مطالب جديدة مرتبطة بالجهوية كمطلب الأصالة والمعاصرة كفصل السلطة المركزية عن السلطة المحلية، ما هي رأيتكم العامة لهذه المطالب؟
ج: أولا أعود إلى تعريف ما هي الملكية البرلمانية؟ لأنه الآن يتم تسويق لهذه العبارات في غير معناها. أظن أن هناك توجهين لمطلب الإصلاح الدستوري، هناك توجه بنيوي جذري يدعو إلى تأسيس نظام ملكي برلماني مغربي حداثي ومنفتح، وهناك توجه تقليدي يقوم على محاولة تشغيل بعض المؤسسات الأخرى ولكن لا يعالج صلب المشكل ولا يقترب من المساحات الساخنة.
وفق التصور الأولى هو تفويض جل سلطات الأساسية للملك إلى الوزير الأول، وهي تسير الجهاز التنفيذي، وسوف تضل بعض السلطات للملك مثل إعفاء الحكومة وإصدار الأمر بتنفيذ القانون وحل البرلمان والقيادة العليا للجيش واعتماد السفراء والتعيين في المناصب السامية باقتراح من الحكومة، العفو الخاص، إعلان حالة الاستثناء لكن بقيود هي مصادقة رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، إشهار الحرب بقيود، وحمل لقب أمير المؤمنين وتمتعه بحصانة مطلقة. ولكن الوزير الأول هو الذي يدير السياسة العامة للبلاد وهو الذي يتحمل مسؤولية البرنامج الحكومي، والمشرف على الملفات الكرى داخليا وخارجيا، وهو الذي يتتبع عمل الوزراء ويراقبهم ويوجههم، ويخضع طبعا لمحاسبة صناديق الاقتراع.
ادن يتبقى للملك الرمزية الدينية والتحكيم وبعض المظاهر التشريعية للملك. وتخويل كافة صلاحيات مجلس الوزراء لمجلس الحكومة، أو ترأس الوزير الأول لمجلس الوزراء بصفة دائمة. فالنصوص المحالة على مجلس الحكومة تصبح ملزمة كأنها مرت على مجلس الوزراء، فالنصوص التنظيمية تحال مباشرة على النشر أو التشريعية على البرلمان. وكل هذه الأشياء سوف يعرج على الملك قبل صدوره وسيبقى له الحق في المطالبة بالقراءة الثانية أو شيء من هذا القبيل طبعا إذا لم يرضيه هذا النص، بمعنى أن لا يبقى مجلس الحكومة متوقف على مجلس الوزراء، فمنذ حكومة التناوب أصبح مجلس الحكومة ينعقد بصورة منتظمة لكن ما قيمته إذا كان مجلس الوزراء يمتد لشهور لقرابة سنة والكل ينتظر مجلس الوزراء والنصوص بقيت معلقة.
المسألة الثانية هي تعيين الوزير الأول دستوريا من قبل صفوف الأغلبية البرلمانية بعد استشارة رئيس مجلس النواب وممثلي الهيئات السياسية التي تتصدر نتائج الانتخابات، أي دسترة ما يسمى بالمنهجية الديمقراطية. المسألة الرابعة دسترة الدستور نفسه أي تحويله إلى وثيقة ملزمة وخاصة بعد تعديل الفصل 19، وتعديله يتم في اتجاهين، الاتجاه الأول يحدد معنى إمارة المؤمنين كلقب فقط يسمح للملك بتمثيل سلطة الإشراف الرمزية على شؤون المغاربة المسلمين. خامسا إقرار قواعد فصل السلط المتعارف عليها عالميا وتوسيع سلطات البرلمان وتمتيع السلطة القضائية بوسائل الاستقلالية وإحداث آلية مبسطة لمراقبة دستورية القوانين وتأمين تركيبة متوازية للمجلس الدستوري، ويمثل هذا التصور اليسار الراديكالي باستثناء النهج ولا يجد أي حرج في مطالبه بالملكية البرلمانية لكن نجد حزب الاشتراكي الموحد هو من فصل ودقيق في مطالبه، وأصحاب هذا التوجه لا يملكون من القوة لفرض رؤيتهم، ويمكن أن نعتبر أن جزء من المجتمع المدني الحداثي والصحافة المستقلة هو الحليف الاستراتيجي له.
هذا التصور الأول، وفي التصور الثاني وهو كبير جدا نجد فيه ما نسميها الأحزاب الوطنية الديمقراطية ونضيف إليها حزب العدالة والتنمية، وفي نفس التصور يوجد توجه ثاني هو للحزب الإدارية، ويمكن أن نضيف توجه ثالث وفيه نجد النهج والعدل والإحسان.
الأحزاب الوطنية الديمقراطية زائد العدالة والتنمية تنطلق من الأشياء التالية: صلاحيات الوزير الأول يجب أن نوسعها، صلاحيات البرلمان يجب أن نوسعها، تعيين الموظفين السامين يجب أن يتم من طرف الحكومة أو باقتراح منها، المنهجية الديمقراطية يجب دسترتها، وتوسيع الجهوية. هذا التوجه يقول بان التعديل يجب أن يكون موضوع توافق مع الملكية. إذن فالمقترحات التي تتقدم بها هاته الأحزاب تتناول الطبقات الموجودة في البناء الدستوري ( هنا أربع طبقات: الهوية والمبادئ العامة، الملكية، العلاقات بين السلطات، والتقسيم الترابي)، محدودة في الطبقة الأولى، الطبقة الثانية لا تقترب منها، إذن مجال اهتمامها هو الطبقتين الثالثة والرابعة. أما التصور الأول الذي قلناه يتناول الطبقات الأربع. لكن هذه الأحزاب لم تقدم مقترحات مفصلة باستثناء الاتحاد الاشتراكي الذي قدم وثيقة التي بين أيدينا أفكار حولها وليس النص الرسمي لها. فهذه الأحزاب جميعا متفقة على عدم المساس باختصاصات وصلاحيات ومجالات الملكية. لسببين، الأولى دينية/خصوصية والسبب الثاني إننا كلما وسعنا صلاحيات المؤسسات حرمنا المؤسسة الملكية منها، ولكن كما بينت الممارسة انه يمكن أن نعطي لمؤسسة صلاحيات معينة وأمام وجود الفصل 19، يمكن أن تمارس تلك الصلاحيات دائما باسم أمير المؤمنين. لكن يجب أن لا ننسى وسط هذا المجموعة بكاملها أن الاتحاد الاشتراكي كان دائما متميزا، على الأقل تاريخيا حيث كان سباقا في 78 بالمطالبة بالملكية الدستورية، كونه قدم نصا مكتوبا، وكونه فتح نقاشا عموميا في الموضوع سنة 78.
بالنسبة للأحزاب الإدارية، فإنها تنتظر الإشارة لأنها عمليا تعتقد أن تقديم الاستشارة يكون جوابا على سؤال، وتعتبر بان القضية الدستورية هي مزايدة ولكنها تقول انه إذا كان يجب تعديل الدستور وأراد الملك ذلك، فيتم ذلك مقرونا بالجهوية والحكامة الجيدة. وفي نفس الوقت يجب دائما أن يبقي النظام الدستوري المغربي على قدر كافي من الخصوصية. وهنا يطرح هل الخصوصية العربية الإسلامية … تفرض علينا دستورا اقل ديمقراطية من الدساتير الحديثة، يجب أن لا يكون الانتماء إلى خصوصية معينة مبررا لكي نكون أقل ديمقراطية من الآخرين. يمكن نستجيب لمقومات خصوصيتنا الوطنية والتاريخية بدون أن نتخلى عن حبة خردل واحدة من الديمقراطية.
التوجه الثالث، نجد النهج الديمقراطي الذي يطالب بتفكيك الجهاز المخزني، ويقدم أفكارا تدخل في المنطق البرلماني، لكن بدون أن يشير البتة إلى الملكية. بالنسبة للعدل والإحسان يطالب الخلافة على منهج النبوة، لا يقدم تفاصيل، عموما يقدم أفكارا فيما يتعلق بالبناء المؤسسي للدولة محدودة جدا وقليلة ولا يدخل في التفاصيل، لكن هذه الأفكار منتمية للماضي أكثر من انتمائها إلى الحاضر.
حزب صديق الملك حزب اداري خلط الاوراق
س: السؤال الأخير حزب “صديقنا صديق الملك” في أي خانة تصنفه هل في التصور الأول أم في التصور الثاني، وفي حالة التصور الثاني في أي توجه الأول أو الثاني أو الثالث؟
ج: في مجال المطالب الدستورية حزب الأصالة والمعاصرة مع الأحزاب الأخرى، فالأحزاب الإدارية اقتربت من الأحزاب الوطنية الديمقراطية أحزاب الحركة الوطنية اقتربت من الأحزاب الإدارية واختلطت الأمور والأصالة والمعاصرة هو وسط كل هذا الشيء.