مفيد قطيش
أوّلاً: الوضعية النظرية للتحالف عند مهدي
في سعيه الدؤوب لتحقيق التحام النظرية الثورية بالحركة الثورية من أجل تحقيق التغيير في بنيتنا الاجتماعية، بحث مهدي في السبل التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذه المهمة التاريخية للطبقة العاملة ولحزبها الشيوعي. وأفرد حيّزاً للتحالفات الطبقية لا تستطيع الحركة الثورية بدونها ضمان نجاح نضالها. وقد أدرك مهدي جيّداً طبيعة المرحلة -الثورة الوطنية الديمقراطية- ومهمّاتها المتشابكة، في بنية اجتماعية تتّسم بضعف التفارق الطبقي، فما كان صعباً عليه أن يستخلصَ ضرورة بناء التحالفات الطبقية من أجل إنجاز هذه المهمّات، مُحتفياً بالنقد الذاتي الذي مارسه المؤتمر الثاني بحقّ الخطّ الانعزالي اليميني واليساري الذي مارسه الحزب، والمواقف التي اتّخذها من القوى السياسية والاجتماعية في هذه المرحلة أو تلك.
لا نبالغ بالقول أن مهدي منظّر التحالفات. وهذا ما شكّل أحد الحوافز التي دفعته لكتابة مؤلفه “في تمرحل التاريخ”. لأنّ الحديثَ عن مرحلةٍ حديثٌ عن مهمّاتها وعن المصالح والقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة بتحقيقها. والتحالف كما قال مهدي استناداً إلى لينين هو مفهوم مادي يعبّر عن علاقة سياسية تعاونية بين أطراف لها مصلحة في هذا التعاون، هو ما جعله ينطلق في دراسة التحالفات الطبقية من تحديدٍ علميّ دقيق لطبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها البنية الاجتماعية، لأنّ طبيعة المرحلة هذه هي التي تحدّد طبيعة تلك التحالفات. وينطلق أيضاً من واقع الاختلاف الطبقي بين القوى الاجتماعية المتحالفة وليس من واقع التماثل بينها ولا تماثل أصلاً بينها، سواءً في انتمائها الطبقي أم في مصالحها الطبقية. ولو كان هذا التماثل قائماً لانتفَتْ ضرورة التحالف نفسه. وحين تتحدّد المرحلة التاريخية بكونها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، فإن التحالف الطبقي بين القوى الاجتماعية التي لها مصلحة طبقية في تحقيق هذه الثورة أو في تحقيق هذه المرحلة المحددة من السيرورة الثورية العامّة، لا يمكن أن يقتصر على العمال والفلاحين وحدهم، دون غيرهم، من الفئات والطبقات الاجتماعية الأخرى، لأنّ اقتصاره على هؤلاء يعني أن المرحلة التاريخية هي مرحلة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية وتحققها، وفي هذا الاقتصار تناقضٌ مع التحديد السابق لهذه المرحلة.
ويبحث مهدي أسباب اقتصار التحالف على العمال والفلاحين في شعارات الحزب السابقة ويقرّر أنّ مثل هذا التناقض في الممارسة السياسية يدلّ على أنّ الغموض يكتنف ليس فقط مفهوم الثورة الوطنية فحسب، بل مفهوم المراحل في السيرورة الثورية هذه، ومفهوم التحالفات الطبقية واختلافها باختلاف هذه المراحل، ومفهوم علاقة التناقض ونوعه بين عناصر التحالف الطبقي، ومفهوم الدور الطبقي للطبقة العاملة في هذه السيرورة الثورية المتميّزة من حيث هي سيرورة ثورة التحرّر الوطني وفي مراحلها المختلفة في إطار تلك التحالفات الطبقية.
ويؤكّد مهدي أن سياسةَ التحالفات أساسيةٌ في ممارسة الطبقة العاملة لصيرورتها طبقة مهيمنة نقيض، وأن الشكل الذي تقوم فيه هذه التحالفات الطبقية يتحدّد بالشكل الذي يتحرّك فيه الصراع الطبقي في البنية الاجتماعية، ويختلف باختلاف المرحلة التاريخية التي تمرّ بها هذه البنية الاجتماعية. ولأنّ الصراع الطبقي في البنية الاجتماعية الكولونيالية يتحرّك بالضرورة في شكل صراعٍ وطنيّ فإنّ علاقة التحالف الضروري بين الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيّين تأخذ في معركة التحرّر الوطني، أي في معركة الصراع الطبقي ضد البرجوازية الكولونيالية، شكلَ الجبهة الوطنية. فغياب شعار هذه الجبهة يدلّ إذاً، في الممارسة السياسية للحزب، على غياب الفهم البروليتاري الصحيح لعملية التحرّر الوطني وحركتها.
ويجتهد مهدي في تحديد الأسس التي يعتمدها الحزب في التحالف، وأهمها:
– عدم محاولة فرض الهيمنة على الحلفاء، بعكس ما يحاولون هم القيام به.
– البحث عن كلّ ما يوحّد ونبذ كلّ ما يفرق.
– عدم اعتبار الوصول لموقع الهيمنة الطبقية في التحالف يتم بقرارٍ مبدئي، وإنما في حقل الصراع الطبقي وإقناع الناس وبممارسة الطبقة العاملة والحزب، بحيث لا يكونان في موقع الهيمنة لأن موقعهما الطبيعي يفترض ذلك، بل نتيجة اكتسابهما لهذا الموقع بالنضال. وإنّ موقع الهيمنة هو نقطة وصول وليس نقطة انطلاق.
– على الحزب أن يعمل دوماً للحفاظ على هذا التحالف الطبقي الضروري، وعلى تماسكه الداخلي، برغم الصعوبات وبرغم تردّد الحلفاء وتذبذبهم، وبرغم رفضهم أحياناً التحالف مع حزب الطبقة العاملة وخوفهم منه (هنا تكمن مرونته السياسية)، ويعمل في الوقت ذاته للحفاظ على استقلاليته (وهنا تكمن صلابته الطبقية)، لأنّ الاستقلالَ شرطٌ لديمومة التحالف والتحالفَ إطارٌ لتحقيق الاستقلال الطبقي.
ويؤكد مهدي أن “علاقة الاختلاف الطبقي بين الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيّين في مرحلة تاريخية محددة ( الثورة الوطنية الديمقراطية) هي الأساس المادي لعلاقة التحالف. من موقع هذا الاختلاف، تمارس الطبقة العاملة صراعها الطبقي، لفرض التحالف على حلفائها ضد البرجوازية المسيطرة. فالاختلاف هو الذي يسمح للطبقة العاملة أن ترى مصالح الآخرين وأخذها بعين الاعتبار لإقامة التحالف. وينتقد مهدي ممارسة الحزب السابقة لأن الحزب كان يطلب من حلفائه والمرشحين للتحالف معه أن يسيروا في تحالفهم مع الطبقة العاملة وفق مصالحها الخاصة لا وفق مصالحهم.
إنّ سياسة التحالفات الطبقية تنطلق بالضرورة من تحديد العدو الطبقي الرئيسي في المرحلة المحدّدة. وفي تحديد العدو الرئيسي يتحدّد الحلفاء الطبقيون. وفي تحديدنا الحلفاء نحدّد بينهم الأساسي والثانوي، لأنّ بينهم تفاوت يعقد عملية الصراع الطبقي. ويميّز مهدي بين فئات مختلفة من البرجوازية المسيطرة، حيث يتكلّم عن الفئات العليا الرجعية والصغيرة والفئات المتوسطة، وتلك التي ترتبط مصالحها الطبقية بتطوّر الانتاج المادّي المحلّي. فهذا يعني أنّ الطبقة المسيطرة ليست كتلة متجانسة، بل فيها فئات مختلفة تخضع للفئة المهيمنة التي تحاول جعل مصالحها أساس السيطرة. كما توجد بين هذه الفئات تناقضات ثانوية ينبغي استغلالها والحؤول دون تماسكها ومن الضروري عزل الفئة المهيمنة وإقامة علاقات مع الفئات الأخرى.
هذا هو الأساس المادّي الذي استند إليه الحزب الشيوعي اللبناني في ممارسة سياسة تحالفاته الطبقية بعد مؤتمره الثاني. فهو عكس حلفائه الطبقيين، لا يحاول فرض هيمنته عليهم، ولا يجعل من هذه الهيمنة شرطاً لتحالفهم معه. إنه من موقع استقلال خطه السياسي البروليتاري ينطلق في البحث عن كلّ ما يوحّد، وفي نبذ كلّ ما يفرّق، ساعياً لتحقيق الهيمنة الطبقية للطبقة العاملة.
هنا تظهر بالفعل ضرورة الحزب بالنسبة إلى الطبقة العاملة لأن الحزب هو الذي يقودها في ممارسات صراعاتها الطبقية لضرورة احتلالها موقع الهيمنة في تحالفاتها الطبقية. ولأنّ موقع الهيمنة في هذه التحالفات هو نقطة وصول لا نقطة بداية من الصراع الطبقي، ولأن منطق هذا الصراع هو في البنية الاجتماعية الكولونيالية منطق الضرورة في وصول الطبقة العاملة الى موقع الهيمنة الطبقية في تحالفها الطبقي… فإنّ على الحزب أن يعمل دوماً على الحفاظ على هذا التحالف الطبقي الضروري وعلى تماسكه الداخلي برغم الصعوبات وبرغم تردد الحلفاء وتذبذبهم وبرغم رفضهم أحياناً التحالف مع حزب الطبقة العاملة وخوفهم منه.
ثانياً: التحالفات في المجرى التاريخي
بعد ثلث قرن على غياب مهدي عامل تتجدّد المشاكل ذاتها تقريباً وتنطرح الأسئلة ذاتها ومن بينها السؤال الرئيسي: كيف نغيّر بنية اجتماعية تسيطر فيها البرجوازية الكولونيالية في تحالف واضح مع البرجوازية الامبريالية على مقدّرات البلد وتعيق تطوره بنظامٍ سياسيّ طائفيّ يسيطر على كافّة الفئات الاجتماعية في مناخ من ضعف التفارق الطبقي، ما يضفي تعقيداً على الصراع الطبقي في ظلّ سيطرة مطبقة ايديولوجية اقتصادية سياسية للبرجوازية الكولونيالية؟
خلال هذه الفترة شهد تعاطي الحزب مع هذا الموضوع تعرّجاتٍ وانزياحاتٍ عن الوضعية النظرية للتحالفات، بحيث بات من دون حلفاءٍ وجبهةٍ وطنية وغير منسجمٍ مع متطلّبات تحقيق مهام المرحلة الراهنة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي ترجمها المؤتمر الثالث بشعار الحكم الوطني الديمقراطي .لا بل ان النقاش يدور حول التحالفات بدون خلفية نظرية. فأضعفت هكذا ممارسة دور تأثيرنا على توحيد الطبقة العاملة التي لم تشهد شرذمة كما هي اليوم. و تفسير هذا الواقع حسب مهدي عامل: إنّه الغموض وسوء الفهم لطبيعة المرحلة ولبنية علاقات الانتاج وخاصة للعلاقة الكولونيالية وللتناقض الرئيسي وللمهمات المطروحة في هذه المرحلة وبشكل عام لمبدأ تمرحل الصراع وتمرحل التحالفات، وهو ما ينعكس أحياناً في الكلام المتداول بأننا لا نتحالف إلاّ مع من يشبهنا أو استحالة التحالف بالاستناد إلى قضية واحدة مثل مقاومة العدو الصهيوني أو مواجهة المخطّطات الامبريالية ولأن التحرير لا يكتمل إلّا بالتغيير الديمقراطي الجذري.
إنّنا بهذا المعنى نشهد تغييباً لكلّ إرث المؤتمرات الحزبية التي حوّلت الحزب الشيوعي إلى قوة يسارية حقيقية في المنطقة العربية، وبالأخص المؤتمر الثاني والثالث والرابع، وتغييباً لإرث مهدي عامل الذي لم يتحوّل إلى مادة تثقيفية لدى الشيوعيين.
في هذا السياق، وبالاستناد إلى نظرية مهدي للتحالفات، أفترض أنه على الحزب الشيوعي: أن يستند في صياغة تحالفاته الطبقية إلى تحديدٍ علميّ دقيق لطبيعة المرحلة التاريخية التي يمرّ بها لبنان، والبلدان العربية، من أجل تحديد المهمات الوطنية ذات الأولوية، وتحديد طبيعة الصراع الطبقي وأشكاله، وتحديد التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية، التي بها تتحدد التحالفات وأشكالها وطبيعتها.
وعطفاً على تحديد هذه المرحلة بأنها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تستهدف إنجاز مهمات قومية، اقتصادية، اجتماعية، وسياسية تضمن تحرير لبنان والبلدان العربية من عوائق تطوّرها (التبعية البنيوية للامبريالية، السيطرة الامبريالية المطلقة على بلدنا، وسيطرة البرجوازية التابعة في مختلف أوجهها (الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية)، فإنّ الصراع الطبقي في لبنان، كما وكل البلدان العربية، يتّخذ شكلَ الصراع الوطني، ضدّ البرجوازية الامبريالية وضدّ البرجوازية اللبنانية التبعية من أجل تحقيق هذه المهمات التحرّرية المترابطة.
من هنا يرتسم التناقض الرئيسي المسيطر والمحرّك للصراع الطبقي كصراعٍ وطني، وهو تناقض بصدد السلطة السياسية على المستويات الثلاثة: المحلية والإقليمية والدولية، بين القطبين الطبقتين الرئيسيين، القطب المتمحور حول البرجوازية التابعة وحلفائها محليّاً وإقليميّاً وعالميّاً، والقطب النقيض الذي يضمّ كافة المعترضين والمقاومين من طبقات وفئات اجتماعية مختلفة من البروليتاريا والفلّاحين والبرجوازية الصغيرة وغيرها. إنّ هذا القطب يفتقر راهناً إلى القوة المحورية الحقيقية بسبب ضعف الطبقة العاملة وتشتّتها وسعي ونجاح فئات برجوازية صغيرة ومتوسطة لاحتلال موقع المحور.
ومن هنا يتحدّد العدو الرئيسي على المستوى المحلي المتمثّل بالطغمة المالية اللبنانية وحلفائها المحليّين والإقليميّين والبرجوازية الامبريالية، وتتحدّد عناصر الطرف النقيض وخاصة الطبقة العاملة ممثلة بحزبها الشيوعي والقوى اليسارية والفئات البرجوازية الصغيرة والفئات الوسطى.
انطلاقاً من هذه الحيثيات -طبيعة المرحلة وطبيعة وشكل الصراع الطبقي والتناقض الرئيسي المسيطر- يرى الحزب الشيوعي أنّ مهمات المرحلة تتجاوز مصالح الطبقة العاملة والفلّاحين إلى الفئات البرجوازية الصغيرة والبرجوازية المرتبطة بالإنتاج المحلي، لأنّها فئات متضرّرة ومهدّدة من السيطرة الإمبريالية المباشرة وغير المباشرة، ومتضرّرة من سياسات الطغمة المالية التي تشارف حدود التفريط بكلّ ما هو وطني. ولذلك فإنّ التحالف الطبقي الذي ينبغي أن يسعى الحزب الشيوعي لإقامته يتّسع لكافة القوى صاحبة المصلحة في تحقيق هذه المهمات، وإنّ الشكل المناسب في هذه المرحلة هو الجبهة الوطنية. ولذا فإنّ عليه أن يبذل جهده لإقناع وجذب هذه القوى إلى هذا الشكل من التفاعل والنضال. وهو يدرك أيضاً، أنّ سير هذه الجبهة لتحقيق هذه المهمات بشكلٍ جيّد يحتاج إلى نواة يسارية صلبة تضمن بقاء الجبهة في الوجهة الضرورية، وأنّ هذه النواة اليسارية لن تقوم بمهمّتها ولن تتشكّل أساساً من دون حزب شيوعي قويّ ومعافىً. لذا فإنّ عملاً مكثّفاً ومتوازياً لتحسين وضع الحزب ولإنشاء حالة يسارية ولتكوين جبهة وطنية ينبغي أن يتمّ، بحيث تشكّل كلّ حلقة إن نجحت دعماً لإنجاح الحلقات الأخرى. لذا فان الجبهة هي المنارة التي على الحزب أن يدعو للسير باتجاهها مهما كانت بعيدة ومهما كانت الطريق باتجاهها وعرة.
لكن العمل من أجل هذا الشكل الرئيسي للعمل التعاوني مع حلفاء محتملين لا يلغي أشكالاً أبسط من العمل المشترك حول قضايا معينة قصيرة الأجل ولا يلغي العلاقات العامة حتى وإن لم يكن لها موضوع محدّد للقيام بها. غير أنّ الخطر يكمن في اسبدال الأشكال الفعّالة للعمل المشترك بالعلاقات العامة.
وينبغي أن يستند الحزب في رسم سياسة تحالفاته وتنفيذها إلى تلك المبادىء المذكورة أعلاه التي صاغها مهدي، وخاصّة انطلاقه في كلّ ذلك من موقعه الطبقي ومن فهمه لواقع الاختلاف الطبقي مع القوى المرشحة للتحالف والتفاوت في المصالح معها، ومن رفضه قبول هيمنة أي طرف وعدم سعيه للهيمنة على أحد، ومن سعيه أيضاً للحفاظ على كلّ ما يوحّد ونبذ كلّ ما يفرّق بين أطراف التحالف مؤكّداً على استقلاليته في إطار التحالف، بتأكيده على تمثيل مصالح الفئات الكادحة والمستغَلّة والمنتجة والإصرار على تحقيق مصالحها.
وفي هذا السياق، يرى الحزب أن التناقض الرئيسي لا يختصر كلّ التناقضات في البنية الاجتماعية، ويعي وجود تناقضات ثانوية، تتحدّد بالنسبة إلى هذا التناقض، بين أطراف كلّ قطب من قطبي التناقض الرئيسي. ومع ذلك، يبقى هذا التناقض البوصلة التي يسترشد بها الشيوعيون في نضالهم وصياغة تحالفاتهم. وهو في ذلك سيسعى لمعالجة التناقضات الثانوية مع الحلفاء المحتمَلين على نحو لا يهدّد التحالف ولا تكون على حساب المصالح المشتركة. كما أنّه سيعمل على الاستفادة من التناقضات الثانوية في الطرف الآخر من التناقض الرئيسي لإضعاف جبهة العدو الطبقي.
ولأنّ الكيان الصهيوني ليس مجرد كيان استيطاني بل كيان-وظيفة يقوم بتأمين حماية أنظمة التبعية ولعب دور الموقع المتقدّم للإمبريالية، فإنّ الحزب يؤكّد على تعاونه مع كلّ القوى التي تتبنّى مقاومة الامبريالية والاعتداءات الصهيونية وحماية لبنان، ما عدا تلك الساعية لإرجاع مجتمعنا إلى القرون الوسطى (تماما كما جاء في بيان اطلاق جبهة المقاومة). وينطلق الحزب الشيوعي في ذلك من الممارسة العملية لهذه القوى وليس من خلفيّتها الإيديولوجية ولا من صفحات مؤلمة شهدتها علاقاتنا السابقة، وإنما من مصلحة العملية التحريرية.
ويميّز الحزب بين ممارسات هذه القوى خارج السلطة وممارساتها داخل السلطة. ويميّز بين مشاركتها المؤقتة في السلطة السياسية التي تولد لديها أوهاماً، بأنها تؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية-الاجتماعية وبين الهيمنة الطبقية المعقودة في كل الأحوال للطغمة المالية. كما يؤكّد الحزب على تعاونه مع القوى السياسية المقتنعة بضرورة تجاوز الطائفية كشكل تاريخي للنظام السياسي في لبنان، لأنّه لا نجاح في مواجهة الامبريالية دون تحقيق إصلاحاتٍ وتغييرٍ داخليّ يبعد الطغمة المالية عن السيطرة السياسية.
ومع أنّ الحزب يؤكّد وينطلق في نضاله من ترابط وجهي المسألة الوطنية -القومي والاجتماعي- فإنّه لا يطرح هذا الترابط شرطاً للتحالف، بل يعتبره نقطة ينبغي أن يصلها التحالف عبر النضال المشترك، وهي قد تتحقّق أو لا تتحقّق، ارتباطاً بقدرة الحزب ونفوذ الطبقة العاملة ومسار الصراع الطبقي. لكنّ دحر السيطرة الامبريالية مرحلةٌ ضرورية في المسيرة الثورية الوطنية تستحقّ بذل الجهود وتجميع القوى الضرورية لإنجازها وإقامة الأطر الضرورية لذلك
المصدر
مجلة النداء