“إننا نواجه اليوم الأوضاع الأكثر خطورة، ومرارة، وكونية التي شهدها تاريخ الإنسانية، إذ إنه يُطرَح لأول مرة في وعي الإنسان السؤال التالي: هل سنعيش أم لا؟” فيديل كاسترو.
ستة وثلاثون عاماً مرّت على هذا المقطع الذي طرحه كاسترو أمام مؤتمر دول عدم الانحياز عام ١٩٨٣، والذي أرفقه بتقرير حول أزمة العالم الاقتصادية والاجتماعية وتبعياتها البيئية والذي لم يُعمّم عن عمد ليبقى محاصراً في حدود الجزيرة المقاومة.
المسألة البيئية
نتيجة للاحتباس الحراري نلمس يوميّاً وبشكل متزايد مخاطر جمّة للحياة على كوكب الأرض بشكل عام ولحياة الجنس البشري بشكل خاص؛ معظمنا سمع مثلاً في الآونة الأخيرة الكثير عن الفيروسات العملاقة التي بدأت تفيق من سبات آلاف السنين مع ذوبان التربات المتجمدة والجليد القطبي، أو شاهد صورة آخر وحيد قرن أبيض (ذكر) على الكوكب، أو قرأ عن التراجع الكارثي لأعداد الحشرات الملقحة ما يشكل خطراً مباشراً على البشرية، واللائحة تطول: انخفاض مستوى المحاصيل الزراعية، خطر انقراض المرجان البحري، ارتفاع مستوى المحيطات، إلخ…
نقول نتيجة للاحتباس الحراري، والاحتباس الحراري هو ارتفاع درجة الحرارة الوسطى للأرض، المتأتي عن ارتفاع نسبة تركز الغازات الحابسة للحرارة إن كان بالطبيعة نفسها أو بطريقة تشكّلها(conformation) مثل ثاني أوكسيد الكربون وطبعاً ما يرافق هذه العملية من تغيّر مناخي.
بعض التراكمات التاريخية
كان من الطبيعي والضروري على البرجوازية الأوروبية الظافرة والتي نمت في أحشاء البنية الإقطاعية ونما معها أيضاً نمط إنتاجها الجديد، أن تحقق ثورتها الصناعية والعلمية، مكرسة نمط إنتاجها الجديد، وكما هو معلوم فإن التأثير البيئي الناتج كان كارثيّاً، فمثلاً ارتفع تركّز ثاني أوكسيد الكربون في هذه الحقبة حوالي ٤٥٪ من ٢٨٠ جسيمة في المليون في القرن السادس عشر إلى ٤١٠ أجزاء في المليون عام ٢٠١٨. على كل حال هذا المعلوم أصبح ممكناً بعمليات معقّدة وتاريخ من الجهد العلمي لتملك علم المناخ، لا يسمح منطق المقالة الغوص فيه، لكن يمكننا القول إننا قطعنا شوطاً كبيراً في معرفة العوامل المؤثرة فيه، والنقطة المفصلية في هذا السياق هي الحسم بتأثير النشاط البشري في المناخ، بشكل جدي مع نموذج (ويجلي ورابر) عام ١٩٩٠ لإثبات أن التغيّر المرصود في حرارة الكوكب الوسطية من عام ١٨٦٧ حتى عام ١٩٨٢، لا يمكن أن يتم شرحه بالمتغيرات الداخلية للكوكب، و العوامل المباشرة لتأثير الإنسان كانت بشكل أساسي احتراق الوقود الأحفوري، قطع الغابات، التجارة الكيميائية في منتصف العشرينيات من القرن الماضي (الغازات المركبة كيميائياً كالـ (cfc)، أما الإثارات الجدية للمسألة عالمياً، فأبرزها كان في مؤتمر الأمم المتحدة في ستوكهولم عام ١٩٧٢ حيث وضعت العلاقة بين التنمية الاقتصادية والترهل البيئي على جدول الأعمال الدولي، وتبعها فيض من المؤتمرات والاتفاقيات مثل بروتوكول مونتريال (١٩٨٧) لحماية الأوزون من الغازات المصنعة(hcfcs, cfcs) ، لتتوج بقمة الأرض عام ١٩٩٢.
الوهم الأخضر والتفكيك
إذا كانت الغريزة البشرية تدفع بالجنس البشري إلى المحافظة على وجوده، وجب عليه أوّلاً التخلي عن الأوهام التي يضخّها المستفيدون الوحيدون اليوم من هذا الدمار وهذا التدهور بشروط حياته، وجب عليه إذاً مواجهة الواقع بشكل جدي، وهذا الشكل يفرض البحث عن الحل الجذري والوحيد لأزمته وهو الحل الاجتماعي-الاقتصادي، ورفض كل تفكيك لمسألة البيئة والموجود البشري عن قاعدتهما.
فلا مجال اليوم للاستمرار بمعالجة بعض النتائج ببعض الأساليب السطحية والفردية منها (الحد من الولادات، زرع شجرة، المنتجات الصديقة للبيئة، الفلترات) ولو كان بعضها فعلاً جزءاً من تمظهر المشكلة يجب حلُّه والنفاذ إلى جوهره كمسألة نمو عدد السكان الهائل مثلاً. في كل الأحوال نسأل بعض روّاد هذه الآراء أسئلة بسيطة: هل من الممكن اليوم الطلب من البلدان الاستوائية التي تملك الغابات الكبيرة وهي عموماً من أفقر بلدان العالم أن توقف استغلال ثرواتها الخشبية الضخمة لتجنب الاختلال الإيكولوجي الخطير، دون أن تضمن مسبقاً الموارد الأساسية لتنميتها وضمان علاقات اقتصادية أكثر عدالة وإفادة لشعوبها الجائعة؟ علاقات لا تقوم ربما على استغلال الشركات المتعددة الجنسيات لثرواتها الطبيعية؟!
أخبرونا كيف يمكن أن نمنع فئة تستهدف من نضالها اليومي البقاء على قيد الحياة فقط، من اصطياد حيوان مهدّد بالانقراض في أفريقيا مثلاً؟
أخبرونا عن محاولة إزاحة المسألة عن محورها السياسي، إذا كانت شهادة من أهلكم؛ مدير عام منظمة الفاو نفسه بتقرير عام ٢٠١٨، يقول إن العقبة الأساسية لمواجهة تغير المناخ هي عدم كفاية التمويل؟!
أرشدونا إلى كيفية بناء مجتمع صديق للبيئة، بينما يسيطر فيه الفكر والإعلام الربحي الذي يضخ للبشر على مدار الساعة وهم السعادة الاستهلاكية ويحولهم بِهوس إلى حيوانات استهلاكية مدمنة! أعلمني أحد الأصدقاء المختصين مرة عن تعدد جوانب ظاهرة الـtoxicomania في مجتمعاتنا “المتطورة” ليشمل الإدمان على السكر، على استهلاك الأدوات التكنولوجية، الرغبة الدائمة في المزيد من الاستهلاك لتعبئة فراغه أو فقدان السيطرة التامة على الذات…
آفاق
إن تطورت أنظمة الحياة خلال آلاف وملايين السنين، ولا يمكن أن تتعافى في وقت نكون قد تخطينا فيه ساعة الصفر (نشير مثلاً لدلالة الموضوع أن إنتاج طبقة نباتية من الأرض يحتاج في الطبيعة من ١٠٠ إلى ٤٠٠ عام)، المطلوب اليوم هو الإطاحة بنظامٍ مسدودٍ أفق قدرته على إنقاذ البيئة والبشرية، لحل تناقضات تراكم رأس المال من جهة والملكية المسلوبة والطبيعة من جهة أخرى، يتحتّم عليه بآلياته أن يزيد وتيرة الاستغلال، المطلوب هو الإرادة السياسية والحكمة لمعرفة النمط البديل، ولإدراك واقع المرحلة الحالية الذي ينطبق عليها القول بحرفيته: لا أحد سينتصر، إلّا إذا انتصر الجميع.
مصادر معتمدة في المقالة:
– أزمة العالم: الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العالمية (سلسلة القسام الفكرية ١٩٩٢) – فيديل كاسترو
– تقرير منظمة الفاو لعام ٢٠١٨
– قاسيون: الشيوعية أو الانقراض، الاحتباس الحراري – د. أسامة دليقان
-Green Illusions: The Dirty Secrets of Clean Energy and the Future of Environmentalism- Ozzie zehner (2012)
-historical overview of climate change science-IPCC: Hervé le treut, Richard sommervile(2007)