يعود المغرب لتنظيم ثالث مناظرة حول النظام الجبائي، منذ تبني قانون الإطار في الثمانينيات من القرن الماضي، الذي أعلن عن التطلع إلى ترسيخ مبادىء تنسجم مع تحديث النظام الجبائي، بما يعني ذلك من توسيع للوعاء وتبسيط وعدالة في المساهمة في المجهود الجبائي للدولة. وفي هذا الحوار نتساءل مع الاقتصادي المغربي، نجيب أقصبي، حول مدى تحقيق أهداف قانون الإطار ودواعي تنظيم المناظرة الثالثة بعد تلك التي تمخضت عنها ستون توصية ستة أعوام، والعوامل التي تؤدي إلى استمرار عدم عدالة وتعقيد وعدم انسجام النظام الجبائي بالمغرب.
كيف تقيمون السياق الذي ستنظم فيه المناظرة الثالثة حول الجباية والتي ينتظر أن تعقد يومي الثالث والرابع من ماي المقبل بالصخيرات؟
أعتقد أن أول شيء يجب قوله، والذي يستدعيه منطق الأشياء، هو أننا نضع، مرة أخرى، العربة قبل الحصان. فمنذ سنوات يطلب منا أن نناقش ونقترح عناصر نموذج جديد للتنمية، غير أننا نلاحظ أنه إلى حدود اليوم لم نقم بذلك. لا أحد يعرف التوجهات والاختيارات الخاصة بما يسمى النموذج التنموي الجديد. والحال أنه أعلن عن الانخراط في مناظرة وطنية للجباية، علما أن السياسة الجبائية، كما سياسة القرض، والسياسة النقدية، وسياسة الميزانية، ليست سوى تعبير عن السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمالية للبلد. فالسياسة الجبائية ليست سوى أداة، يفترض أن تندرج ضمن اختيارات، لكن إذا كنا لا نعرف، مرة أخرى، توجهات التنمية الجديدة، سنجد أنفسنا أمام وضعية، حيث أن أشخاصا، نفترض فيهم حسن النية، سيتداولون، وقد يخرجون بتوجهات أو قرارات، التي لا يمكن أن تكون إلا بعيدة أو متناقضة مع توجهات نموذج التنمية الذي لا نعرف معالمه بعد.
لكن قد يضع المتناظرون المبادىء العامة، التي قد لا تحيد عن التوجه العام للنموذج التنموي المنتظر، ما سيحدث نوعا من التناغم بين السياسة الجبائية والنموذج..
من بين الخيارات الأساسية التي حددتها استراتيجية التنمية التي يراد تجاوزها، والتي لم تنجح، كان هناك الرهان على القطاع الخاص باعتباره محركا للنمو الاقتصادي وأول مستثمر ومحدث لفرص العمل. كان هذا خيارا استراتيجيا، وقد سخرت السياسة الجبائية من أجل خدمته، حيث وضع نظام جبائي، يخدم، بشكل كبير، الدخول العليا. أكثر من ذلك وضعنا نظاما للتحفيزات والإعفاءات الجبائية، التي تسمى النفقات الجبائية، وذلك انطلاقا من فكرة منسجمة مع النموذج الاقتصادي، مفادها أنه يكفي منح تحفيزات جبائية حتى يعمل القطاع الخاص على الاستثمار وخلق فرص العمل. يجب أن نقول إنه كان هناك تناغم بين الخيارات الاقتصادية والأدوات الجبائية التي تخدمه.
إذا قمنا بخيار حذف التحفيزات الجبائية، سنكون كما لو أننا حددنا نموذج التنمية الجديد سلفا
واليوم، يقر الجميع، بما في ذلك المسؤولون أنفسهم بأن هذين الرهانين فشلا. فقد تجلى أن الرهان على القطاع الخاص غير فعال، راجعوا ما يقوله والي بنك المغرب والمندوب السامي في التخطيط، فهما يقولان إن هناك مشكلا على مستوى القطاع الخاص، الذي لا يستثمر كفاية، في الوقت نفسه، على مستوى الجباية، هناك من ينادي بإعادة النظر في التحفيزات الجبائية، التي تسمى النفقات الجبائية، والتي تصل قيمتها إلى أكثر من 30 مليار درهم، علما أننا لا نقيم سوى ثلثي تلك التحفيزات والإعفاءات. هذه التحفيزات مكلفة وغير فعالة وغير عادلة. عماذا سنتحدث خلال المناظرة؟ هناك أمران لاثالث لهما، إما أننا سنقول إن التحفيزات والإعفاءات غير فعالة ويجب إلغاؤها أو تقليصها، لكن هل النموذج الجديد للتنمية سيتجه نحو الكف عن تخويل التحفيزات والإعفاءات للقطاع الخاص، وبالتالي، سيكون هناك تناقض أم أن التحفيزات ستستمر، بالتالي نفس الأسباب ستنتج نفس الآثار.
رأينا أن توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قبل المناظرة الوطنية، تلتقي مع مايعلن عنه رئيس اللجنة العلمية المشرفة على المناظرة، حيث يجري التأكيد على التوجه نحو إعادة النظر في بعض التحفيزات والإعفاءات..
أتمنى أن نسلك هذا السبيل. إذا سرنا في هذا الطريق، سنكون قد قطعنا خطوة كبيرة نحو الأمام، لننتظر ونر. نحن الآن نوجد في مستوى التصريحات وإعلان النوايا، خاصة أن الجميع يعلم الفارق في المغرب بين التصريحات والإنجازات. لكن إذا سلكنا هذا السبيل، لن يكون هناك نقاش حول نموذج التنمية، على اعتبار أن إعادة النظر في التحفيزات والإعفاءات، سيحصر القطاع الخاص في إطار محدود. هذا سيستنفر اللوبيات.
النظام الجبائي غير منتج أو تراجعي ومعقد وغير منسجم وغير منصف
فهل النقاشات حول النموذج التنموي ستبقى مفتوحة، إذا قمنا بخيار حذف التحفيزات الجبائية أو إعادة النظر فيها؟ فهل سيبقى النقاش مفتوحا بين من سيدافعون عن التحفيزات الجبائية من أجل تشجيع القطاع الخاص وبين من يرون عكس ذلك. فالفريق الأول سيجد المبررات من أجل إثبات محدودية اختيارات نموذج التنمية. إذا قمنا بخيار حذف التحفيزات الجبائية، سنكون كما لو أننا حددنا نموذج التنمية الجديد سلفا.
لكن رئيس اللجنة العلمية محمد برادة يتحدث عن توجيه التحفيزات الجبائية والإعفاءات نحو القطاعات المنتجة والتي تخلق فرص الشغل الدائمة، وليس القطاعات غير المنتجة مثل العقار..
الجميع يعلم أن منح الإعفاءات بالطريقة الحالية، مدان من قبل العديد من الخبراء والمراقبين منذ أعوام، أنا أصفق لهذا التوجه، لكنني أنتظر، خاصة أن الجبل غالبا ما يتمخص ويلد فأرا عندنا. لكنني، مازلت أتحدث عن هذا الفارق وعدم الانسجام الكامن في البدء بتبني اختيارات جبائية قبل تصور اختيارات التنمية، والحال، أن الجباية ليست سوى أداة، من بين أدوات أخرى، التي تكون في خدمة لاختيارات التنمية.
ما تقييكم للنظام الجبائي الساري المفعول منذ قانون الإطار الذي شرع في العمل به منذ برنامج التقويم الهيكلي؟
يجب أن نشير إلى أن آخر مناظرة، نظمت في أبريل 2013، لقد كانت الجباية موضوع نقاش و بلورنا حوالي ستين توصية، لذلك وجب الحديث عن الحصيلة، ماهي التدابير التي فعلت وتلك التي لم تطبق. و يمكن وضع تقييم للنظام الجبائي الذي جاء في إطار قانون الإطار الذي كان أحد مكونات سياسية التقويم الهيكلي. والجميع يعلم أن هذه السياسية كانت لها أهداف، حيث جرى التشديد على خفض الضغط الجبائي، وهو ما تم ربطه بهدف توسيع الوعاء الجبائي، من أجل عدم فقدان موارد، كما جرى التأكيد على رفع فعالية ومردودية النظام وتبسيطة وانسجامه، ناهيك عن التعبير عن الرغبة في إحقاق العدالة الاجتماعية. هكذا انخرطا في الإصلاح عبر الضريبة على القيمة المضافة في 1986 والضريبة على الشركات في 1988، والضريبة على الدخل، التي كانت في البداية الضريبة العامة على الدخل في 1990.
ماذا كانت الحصيلة بعد ثلاثين عاما من تفعيل ماجاء به قانون الإطار؟
صحيح أن الضغط الجبائي انخفض، لا أعني بذلك الضغط الجبائي العام، بل بالمعدلات التي كانت مرتفعة بالنسبة للدخول العليا ودخول الرأسمال. لقد انخفضت المعدلات العليا، غير أن الوعاء الجبائي تقلص ولم يتوسع، لأننا استمرينا في منح الإعفاءات التحفيزات الجبائية، التي تشكل ثقبا في الوعاء، فعندما تعفي لمدة ثلاثين عاما قطاعا مثل الزراعة، التي تمثل 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وعندما تعفي الإنعاش العقاري والصادرات، لا يتوسع الوعاء الجبائي، ما كان له انعكاس على مردودية النظام الجبائي المغربي التي أضحت أسوأ مما كانت عليه في الماضي. ولنأخذ مؤشرا مهما، وهو الذي أسميه معدل الاكتفاء الذاتي الجبائي، الذي يعني الموارد الميزانية الجبائية التي تغطي نفقات ميزاينة الدولة، فقد كانت الموارد تغطي النفقات في التسعينات في حدود 85 في المائة، بينما تغطي في قانون مالية العام الحالي 64 في المائة. هذا يعني أن مردودية نظامنا الجبائي تراجعت، ما يجبر الدولة على الاستدانة، بشكل هيكلي.
عندما أؤدي الضريبة أتساءل حول ما تفعله الدولة بذلك المال
وعندما تتناول النظام الجبائي من زاوية التبسيط، تلاحظ أنه أضحى أكثر تعقيدا وغير متناغم، مقارنة بالماضي. وعندما تقارب النظام الجبائي من وجهة نظر العدالة الجبائية، فإنك تدرك أنه لم يحقق ذلك الهدف. فـ60 في المائة من الموارد الجبائية هي عبارة عن موارد متأتية من الضرائب غير المباشرة مثل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك، وهي ضرائب يؤديها الغني والفقير بنفس المستوى. وعندما تنظر إلى الضريبة على الدخل، فإنك تكتشف أنها لم تعد ضريبة عامة على الدخل، فهي ضريبة على الأجور وبعض الدخول المهنية. فمبدأ العدالة داخل الضريبة نفسها مفتقد، يمكن أن نقول الأمر نفسه عندما نتحدث عن العدالة عبر الضريبة. فإذا كنت أجيرا تحصل على 20 ألف درهم ستؤدي 38 في المائة، بينما ستنخفض الضريبة عندما يأتي دخلك من الريع أو المضاربة في البورصة. وإذا كان دخلك يأتي من الزراعة، تعفى من الضريبة. لا أحتاج للحديث عن تفاصيل حول الضريبة على الشركات التي لا تؤديها 70 في المائة من الشركات، التي تصرح بتحقيق عجز. فبالنظر للأهداف التي حددها قانون الإطار، لم تحقق أي من هذه الأهداف. فالنظام الجبائي غير منتج أو تراجعي ومعقد وغير منسجم وغير منصف، مقارنة بما كان عليه في الماضي.
ما الجديد الذي جاءت به المناظرة التي عقدت في 2013، والتي جرى الحديث خلالها عن العدالة الجبائية ودعم التنافسية؟
قد قيل لنا، عند عقد تلك المناظرة بالصخيرات، إنه سيجري النقاش حول النظام الجبائي وسنخرج بتوصيات من أجل الإصلاح الحقيقي، الذي يفترض أن يفضي لنظام أكثر مردودية وأكثر إنصافا وأكثر تبسيطا. وهي نفس النوايا التي يجري التعبير عنها اليوم. وقد خرجنا خلال تلك المناظرة بـ60 توصية، حاولت الأخذ بعين الاعتبار مختلف المقترحات.
فقد راعت مطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي كان يطالب بخفض الضريبة بدعوى التنافسية وتبسيط النظام وإصلاح الضريبة على القيمة المضافة، خاصة في ما يتصل بالخصومات والمصدر، غير أنه كانت هناك توصيات أخرى، أخذت بعين الاعتبار مقترحات « التشريع والإنصاف »، التي يراد منها خلق التوازن بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والتوازن بين الضرائب على العمل والرأسمال وخلق نوع من الانسجام بين جميع الدخول في إطار الضريبة على الدخل وتضريب حقيقي للفلاحة وضريبة على الثروات الكبرى.. لقد كان هناك مساران، واحد يتجه نحو منح تحفيزات جبائية أكثر لفائدة المقاولات والرأسمال والدخول العليا ومسار يرمي إلى خلق نوع من الانصاف والانسجام.
كيف ترجم ذلك إلى حدود الآن عبر قوانين المالية؟
صدرت منذ ذلك التاريخ 6 قوانين مالية. وعندما ننظر إلى التدابير التي اتخذت والاتجاه الذي تسير فيه، نلاحظ أن التوصيات التي همت التنافسية والفعالية، التي تشكل هواجس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ترجمت، بشكل واسع، على مستوى قوانين المالية، فقد استمرت المعدلات في الانخفاض، ما حصلت عليه الشركات على مستوى الضريبة على القيمة المضافة، لم تنله في الفترات السابقة، من قبيل تعميم خصم الضريبة على القيمة المضافة، واسترداد الضريبة على القيمة المضافة على الاستثمارات، زد على ذلك، سداد 40 مليار درهم من المتأخرات عبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الأبناك، ناهيك عن التعبيبر عن التوجه نحو اعتماد معدلين فقط على مستوى هذه الضريبة، وهذا ينطوي على عدم إنصاف ظاهر. فعندما ستختزل تلك المعدلات في 10 و20 في المائة، فإنك ستخضع سلعا معفاة مثلا لمعدل 10 في المائة، و ستضر بالقدرة الشرائية للأسر.
معدلات الضريبة ترتفع على مستوى دخول الطبقة المتوسطة وتنخفض عندما نصل للدخول العليا
وعموما تمت الاستجابة لجزء كبير من مطالب رجال الأعمال، على حساب المستهلكين. فإذا كانت السلطات العمومية، قد استجابت لانتظارات رجال الأعمال، فإن الجانب الخاص بـ”التشريع والإنصاف“، لم يصدر حوله أي تدبير، بل إننا قمنا بعكس ما التزمنا به، فمن يحصل على دخول كرائية، ويتوجب عليه أداء 38 في المائة برسم الضريبة على الدخل، قلص المعدل الذي تخضع له تلك دخوله إلى 15 في المائة. وهذا يكرس ما قلته من كون الضريبة على الدخل ليست كذلك، بل هي ضريبة على الأجور وبعض الدخول المهنية. لنستحضر الضريبة الفلاحية، فقد أخذ رقم المعاملات كمعيار للتضريب، والحال أنه كان يفترض تضريب الأرباح أو الدخول. وقيل أن الخاضعين للضريبة يجب أن يصل رقم معاملاتهم إلى 35 مليون درهم وهو رقم معاملات، سينخفض تدريجيا سنة عن أخرى كي يصل إلى 5 ملايين درهم في 2020. ويجب أن نستحضر أن 1.5 مليون من الاستغلاليات الفلاحية، تصل مساحة 60 في المائة منها إلى أقل 5 هكتارات، وحتى في حالة أخذ بعين الاعتبار الزراعات الأكثر مردودية، فإن عدد الاستغلاليات التي تحقق رقم معاملات أكبر من 5 ملايين درهم، لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة. لقد استثنينا 99,9 في المائة من الاستغلاليات. وبهذا التوجه أضحى الإعفاء رسميا ودائما منذ 2014، بعدما كان مؤقتا في السابق.
لكن الكبار سيؤدون مع ذلك؟
صحيح، لكن يجب أن نشير أنهم يخضعون اليوم لمعدل 17.5 في المائة، وهذا غير مفهوم، بل إنه تم الحرص على عدم الحديث عن شركات فلاحية، بل عن استغلاليات فلاحية. فعندما أكون فلاحا كبيرا، وأتوفر على عشر ضيعات، سيكون رقم معاملاتي مليار أو ملياري درهم، غير أنه إذا أحدثت لكل ضيعة شركة، سأعلن عن رقم معاملات دون المستوى الخاضع للضريبة. ولك أن ترى عائدات عمليات تضريب الفلاحة، فهي جد قليلة. هذا يعني أن التوصيات التي ترجمت عبر قوانين المالية، همت بعض اللوبيات التابعة لرجال الأعمال والمالكين للرأسمال والدخول الكبيرة، في الوقت نفسه، تفاقم التدابير المتخذة الطابع غير العادل وغير المنسجم للنظام الجبائي المغربي.
كيف تقرؤون هذا التأخر في ترجمة التوصيات المتفق حولها في الجانب غير المتصل بالتنافسية والفعالية؟
يجب قبل المناظرة التي ستعقد في ماي المقبل، توضيح الأسباب التي أفضت إلى عدم تفعيل التوصيات التي خرجنا بها في 2013، يجب أن نوضح لماذا استمرينا في تفتيت الضريبة على الدخل ومفاقمة عدم المساواة في تضريب الدخول المتساوية. إذا لم نوضح ذلك، سنخرج بتوصيات جيدة، غير أن نفس الأسباب سنتنج نفس الآثار. يفترض القيام بعملية حصر لما نفذ من توصيات، وتوضيح أسباب عدم تنفيذ توصيات أخرى، قبل الانتقال لمرحلة أخرى. والحال أن هذا الأمر لم يقم به أي أحد، لأننا نتوفر على نظام جبائي في خدمة المالكين والرأسمال وأصحاب الدخول الكبيرة والمضاربين في هذا البلد، هذا ما يجعله غير منتج، من هنا التركيز دائما على استخلاص موارد الجباية من المستهلكين والأجراء والطبقة المتوسطة. لنأخذ الضريبة على الدخل، كي نلاحظ أن لدينا تصاعدية– تراجعية Progressivité– régressive، فمعدلات الضريبة ترتفع على مستوى دخول الطبقة المتوسطة وتنخفض عند نصل للدخول العليا، هذا ما يعني تشديد الضغط على الدخول المنخفضة والمتوسطة. يجب قبل المناظرة، القيام بوضع حصيلة موضوعية، وتوضيح لماذا لم تسر الأمور، كما جاء في التوصيات التي رامت إنصافا أكبر وتبسيطا أكبر وفعالية أكبر لم تفعلها.
رغم ما تقولونه، الجميع، شركات وأجراء وموظفين وأسر يشتكون من عدم عدالة النظام الجبائي؟
يجب أن نفهم بأن الضريبة هي ظاهرة ذاتية وموضوعية، ذاتيا، كل فرد أو شركة، يقوم بحساب، باستقلال عن الضريبة التي يؤديها. يمكن أن أؤدي ضريبة أقل، لكنني أعتبرها كبيرة، لأنه في هذه العلاقة مع الدولة، لا توجد الإيرادات فقط، بل هناك النفقة كذلك. وعندما أؤدي الضريبة أتساءل حول ما تفعله الدولة بذلك المال، وبالتالي، أتفهم من لا يؤدون كثيرا، بدعوى أن أبناءهم يذهبون إلى المدارس الخاصة، وعندما يمرضون يأخذونها إلى المصحات الخاصة. ونحن نرى أن الدانماركيين يؤدون 60 من مداخليهم على شكل ضرائب، وهم فرحون، لأن المقابل يرونه في حياتهم اليومية. هذا الإحساس الذي تتحدث عنهم فيه جانب من الصحة. ونحن نرى شركات تؤدي جزءا يسيرا مما يجب عليها الوفاء به لخزينة الدولة، ومع ذلك تشتكي.
نحن عندما نتحدث عن التهرب الضريبي، يجب أن ندرك بأن القانون يتيح ذلك
ونحن عندما نتحدث عن التهرب الضريبي، ندرك بأن القانون يتيح ذلك، على اعتبار أن التهرب، هو تلاعب « شرعي » بالنصوص الجبائية، فالمتهرب يستغل ثغرة في التشريع من أجل تقليص الضريبة التي يفي بها. فالنصوص تطرح مشكلا. فاليوم يمكنك أن تملك شركة كبيرة، وإذا ما نجحب في التصريح بربح يقل عن 300 ألف درهم، تؤدي 10 في المائة عوض 30 في المائة، وهناك حوالي 90 في المائة من الأرباح تخضع لمعدل 10 في المائة. هذا واقع. ويمكن لتلك الشركات أن تأتي وتدعي أنها تؤدي ضرائب أكثر.
يمكن أن أتفهم هذا من الناحية الذاتية، لكن يجب أن نستحضر هذا المعطى، فـ72 في المائة من الشركات المسجلة في الضريبة على الشركات، تصرح بتكبد خسارة. وتجتهد الشركات المتبقية، بنسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من أجل التصريح بأقل من 300 ألف درهم، كي تؤدي 10 في المائة. وصحيح أن الشركات الكبرى تفي بالضريبة، لكن هل تؤدي الضريبة التي يتوجب عليها الوفاء بها مقارنة بحقيقة أرباحها؟
كيف يمكن تحسين القدرة الشرائية للأسر عبر الضريبة، وهو الأمر الذي تطالب به النقابات في الحوار الاجتماعي منذ عام تقريبا؟
يمكن للنظام الجبائي أن يساهم في تحسين القدرة الشرائية بطريقتين. إما عبر الضرائب المباشرة أو عبر الضرائب غير المباشرة. إذا كنا نلاحظ اليوم أن ثلاثة أرباع عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجور، وإذا استحضرنا أن الضغط علي مستوى هذه الضريبة يقع على الطبقة المتوسطة، خاصة الدخول التي تتراوح بين 4000 و12000، فإنه يفترض إعادة النظر في السلم Barème عبر الأخذ بتصاعدية حقيقية. إذا كان الدخل في حدود 30 ألف درهم معفى، فإن المعدل بعد ذلك، يفترض أن يرتفع ببطء على مستوى الدخول المتوسطة، قبل أن ترتفع المعدلات عندما نصبح بإزاء الدخول العليا. والحال، أننا نشهد تصاعدية قوية على مستوى الدخول الوسطى، وهي التصاعدية التي تتباطأ عندما نصل إلى الدخول العليا. يجب الذهاب نحو تصاعدية حقيقية، مع إدماج جميع أنواع الدخول الكرائية والعقارية والمالية والزراعية، وإخضاعها لنقس الضريبة على الدخل.
كل الدراسات الجدية، تشير إلى أن القطاع غير المهيكل هو منتوج مباشر للقطاع المهيكل
ويجب كذلك إعادة النظر في تضريب الدخول المهنية، التي تخضع للطريقة الجزافية Forfaitaire، والتي يؤديها 90 في المائة من التجار والحرفيين. النظام الجزافي جد بسيط، لكنه تعسفي، فالإدارة الجبائية تطلب منك معلومتين، الأولى تتعلق بالمهنة كأن تكون حلاقا أو صانعا تقليديا، والثانية تهم رقم المعاملات، وعندما تحصل الإدارة الجبائية على هاتين المعلومتين، تنظر في قائمة المهن والحرف، حيث كل مهنة تقدر لها ربحا جزافيا. فإذا كنت حلاقا يصل رقم معاملاتك مثلا إلى 100 درهم، فإنها تقدر ربحك ب30 درهم. جدول المهن لم يتغير منذ 30 عاما، علما أن الكثير من المعطيات ذات الصلة بواقع المهن تغيرت، حيث تراجع نشاط بعضها بفعل المنافسة وتقلصت هوامش الأرباح. وهذا يشجع على على التهرب.
ماذا عن الضرائب غير المباشرة؟
يمكن تحسين دخول الأسر عبر الضريبة غير المباشرة، التي يقصد بها الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك، يجب خفض الضريبة على السلع واسعة الاستهلاك، ورفعها على المنتجات ذات القيمة المضافة المرتفعة واللوكس. الرواد من الاقتصاديين الذين اخترعوا الضريبة على القيمة المضافة، راهنوا على تعدد المعدلات، لم يقولوا بتبني معدلين فقط، لأنهم كانوا يدركون أن الضريبة على القيمة المضافة، تعسفية وغير عادلة ، وبالتالي، فإن تعدد معدلات الضريبة، يساعد على التخفيف من سلبياتها. إن تعدد المعدلات مرتبط، جوهريا بطبيعة تلك الضريبة.
غير أن التوجه اليوم بالمغرب هو تقليص المعدلات إلى معدلين؟
إنهم يريدون جعلها أكثر تراجعية عما كانت عليه. يجب أن نشير إلى أن معدل 30 في المائة، كان معمولا به بالنسبة للسلع الفاخرة، غير أنه حذف بعد ذلك. يفترض الذهاب نحو ضريبة على القيمة المضافة معممة، لأنها لا تؤدي الهدف منها إلا إذا كانت معممة، مع تعدد المعدلات، أي معدل أعلى من أجل تضريب السلع الفاخرة، ومعدل منخفض أو صفر في المائة للسلع ذات الاستهلاك الواسع. بعد ذلك يمكن أن نتفاهم حول المعدل العام. ورغم قولنا هذا، يجب أن نحرص على أن يعكس التجار انخفاض الضريبة على القيمة المضافة في الثمن. فالاستشارات الطبية تخضع لمعدل 7 في المائة، لكن هل يخفض الأطباء ثمن الاستشارة بعد ذلك؟.
كيف يمكن إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي عبر الضريبة؟
هذا حق أريد به باطل. عندما نسمع كلام الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمسؤولين، نجدهم يتحدثون عن ظاهرة مؤذية Fléau . ألا يدركون أنهم يتحدثون عن غالبية المغاربة؟ هم يعتبرون أن القطاع غير المهيكل خارج عن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والساسية. والحال أن كل الدراسات الجدية، تشير إلى أن القطاع غير المهيكل هو منتوج مباشر للقطاع المهيكل. فالرأسمالية تهمش جزء من الساكنة، ولا تترك لها خيارا آخر غير البحث عن وسائل البقاء Survie، خارج النظام. وعندما يلح الاتحاد العام لمقاولات المغرب على القطاع غير المهيكل، فلكي يصرف الانتباه عن شركاتها. لنتذكر أن 72 في المائة من الشركات تصرح بتحقيق عجز سنويا. منذ متى شكل البؤس وعاء جبائيا خصبا؟.
لا يمكن إيهامي بأن معالجة مسألة القطاع غير المهيكل ستحل مشكلة الجباية بالمغرب.
هؤلاء الذين نتحدث عنهم، باعتبارهم يغذون القطاع غير المهيكل، لايحصلون على الحد الأدنى للأجر من أنشطة، وحتى إذا أردت إخضاعهم للضريبة، فإنهم سيعفون منها، لأنهم يربحون أقل من 30 ألف درهم في العام. بالمقابل، هناك القطاع غير المهيكل من طبيعة كبيرة، إنه الاقتصاد غير الشفاف. لاحظ أنهم اهتدوا إلى فكرة المقاول الذاتي من أجل إغراء أشخاص للدخول في مسار الاقتصاد الرسمي، لكن هذا التوجه لم يعرف إقبالا كبيرا رغم الإغراءات الجبائية، ما يعني ان المشكل ليس جبائيا. الأغليبية الساحقة من الذين يتعاطون للقطاع غير المهيكل، يمارسون أنشطة معاشية، وهم مجبرون على إداء رشوة من أجل الاستمرار في ممارسة نشاطهم. إنهم يؤدون الضريبة بطريقة ما. هذا ما يدفعني إلى الحديث عن وجود ضغط جبائي ظاهر وضغط جبائي غير مهيكل. موضوعيا، بالنظر لأرقام معاملاتهم و دخولهم وأرباحهم، العاملون في القطاع غير المهيكل لا يشكلون وعاء جبائيا كبيرا، لا يمكن إيهامي بأن معالجة مسألة القطاع غير المهيكل ستحل مشكلة الجباية بالمغرب.