ورقة حول الحركة الاجتماعية بالمغرب للمؤتمر الثاني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد

ورقة حول الحركة الاجتماعية بالمغرب للمؤتمر الثاني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد
I السياق:
        
      إن المغرب يعيش منذ استقلاله سنة 1956 حالة صراع دائم من أجل بناء دولة القانون ، وقد عرفت البلاد مراحل حاسمة عديدة تمثلت في وضع أول دستور سنة 1960، وحل البرلمان سنة 1962، والدستور الثاني سنة 1970، ثم دستوري سنة 1972 و1996، دون أن تنتهي هذه الإصلاحات الدستورية إلى أي فصل حقيقي للسلط. وقد قبل المغرب المصاب بالهشاشة بفعل ظرفية اقتصادية غير ملائمة، وبالأخص، بفعل تدبير كإرثي للثروات العمومية ، تطبيق برامج التقويم الهيكلي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وقد نجم عن التأثيرات السلبية لهذه الإصلاحات على السكان، خلال الثمانينيات ، كما هو الحال في كل مكان طبقت فيه تعليمات صندوق النقد الدولي، حدوث تظاهرات احتجاجية عبر مجموع البلاد.
ولم يلجا النظام إلى إعطاء الأولوية لضرورة المبادرة بإحداث تغييرات تسير في اتجاه دمقرطة بنيات ووسائل تدبير القطاع العمومي إلا في نهاية العشرية الأخيرة، وذلك تحت نوعين من الضغوط ، احدهما داخلي والآخر خارجي .
ومع ذلك فقد كان الإرث الاقتصادي والاجتماعي ثقيلا إن لم يكن كارثيا، وسواء اعتمدنا كمعيار للتقييم مسألة التغذية أو التعليم، البنية الصحية التحتية أو الناتج الداخلي الخام عن كل ساكن، فإن المغرب يتموقع بشكل بعيد عن الجزائر و تونس و مصر وسوريا، إذ هو مصنف في الرتبة 124 من بين 174 بلدا .
إن إحصائيات السكان لسنة 2001 تعلن أن عدد السكان بلغ 29 مليون ساكنا، من بينهم 50.8% نساء و 52.4% سكان حضريون ، و35% لا تتعدى أعمارهم 15 سنة، وتظل هذه الساكنة الفتية معطى ديمغرافيا هاما يضع المغرب أمام تحديات دائمة بخصوص مسألة التشغيل والسكن وإشباع الحاجات الأساسية.
لقد بلغت نسبة البطالة 20% على مستوى مجموع البلاد، و 30% من العاطلين لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، أما هذه النسبة لدى النساء فهي أعمق بكثير .
ولا تزال اليوم الانعكاسات الاجتماعية الناجمة عن برامج التقويم الهيكلي جد ثقيلة ؛ فوزن الدين الخارجي وأيضا الداخلي جد ثقيل، وهو يعوق بقوة أي استثمار عمومي، إذ أن المقادير المالية المخصصة للوفاء بالديون تقتطع من ميزانيات
الدولة نسبة 30%، و هي إلى جانب نسبة 50% المخصصة لميزانية التسيير و 15% المخصصة لتعويض تكاليف المواد الغذائية الأساسية تختزل الجزء المخصص للاستثمار وتحسين المؤشرات الاجتماعية إلى نسبة 15% من ميزانية الدولة، وهو شيء قليل بالنظر إلى التحديات التي لا بد من رفعها.
وهكذا، فإن ثلث السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، و تقارب نسبة السكان الذين يعانون من الخصاصة 50 %، ويضم الوسط القروي 70% من الفقراء الذين يقوم معاشهم بشكل أساسي على فلاحة الكفاف ذات الإنتاجية الضعيفة، وأكثر من ثلثي القرويين لا يصلهم الماء الشروب، وأكثر من ثلاثة أرباعهم لا يعرفون نعيم الكهرباء، كما لا تتعدى نسبة المستفيدين من التغطية الاجتماعية في العالم القروي 3%، ويظل عدد كبير من القرويين بدون استفادة من الخدمات والعلاجات الطبية.
لقد تم تسجيل فوارق عميقة في مابين مختلف الجهات، وما بين الأوساط الحضرية والأوساط القروية، وفي ما بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وفي ما بين الرجال والنساء، وفي مجالات التعليم والأمية، وشبكة الماء والكهرباء القروية، ولا تحقق المناطق القروية الأكثر حظوظا درجة الولوج المرتفعة المحققة في المناطق الحضرية الأكثر تهميشا.
وأخيرا فإن أوضاع النساء تظل أوضاعا مقلقة من حيث أوضاعهن القانونية، ووفيات الأمهات ، و العنف ، والأمية ..، وباختصار، أوضاع هشاشة قصوى تجعل النساء أنصاف مواطنات لا مواطنات كاملي المواطنة.
ومع ذلك، فإنه تتوجب الإشارة إلى التقدم النسبي الحاصل في إطار الاهتمام الذي تم الإعلان عنه مؤخرا بخصوص العالم القروي، وهو اهتمام تم التعبير عنه من خلال المنجزات التي تحققت في مجال البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية.
وبنفس الصورة ، فإن جهودا ملموسة بذلت في مجال محاربة الإقصاء الاجتماعي، ولو أنه من الممكن الإشارة إلى عدم كفايتها، كما أن حدود المقاربة المتبناة بصددها لا تخدم التنمية بشكل حقيقي.
لقد تم إبراز الإرادة السياسية المعلن عنها على أعلى مستويات الدولة من خلال إصلاح القوانين والسياسات .. الخ، تلك الإصلاحات التي وضعت موضع التنفيذ منذ مجيء حكومة التناوب : إصلاح التعليم ، قانون الحريات العامة ، مدونة الانتخابات، إلى جانب اعتماد إجراءات إيجابية لصالح تمثيلية النساء، قانون الشغل، إعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومحاربة الأمية …الخ.
أكيد أنه لم يتم تبني مخطط إدماج المرأة في التنمية من طرف الحكومة التي كانت هي واضعته، رغم التعبئة الاجتماعية التي لم يعرف لها نظير في المغرب سابقا، لكن هذه الإعاقة والحضور الثابت للحركات النسائية قادا نحو صيرورة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية في كليتها.
واليوم ، يوجد المغرب في مفترق الطرق ، ومنذ وصول الحكومة التي سميت ” حكومة التناوب ” إلى السلطة بقيادة الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، واعتلاء العرش من قبل ملك ” شاب ” ملك الفقراء – حتى نستخدم التعبير الشائع – كان الشعب المغربي يأمل في إحداث تغييرات عميقة بخصوص الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالبلاد ، لكنه يبدو أن هذا الأمل يستعصى أكثر فأكثر على التحقيق رغم الإنجازات التي لا يمكن التنازع بشأنها ، وهكذا فإن:
–           الإصلاح الدستوري لم يتم إدراجه على جدول الأعمال إلى اليوم .
–           كما لم يتم الوفاء بوعود إصلاح النظام القانوني والمؤسساتي لحقوق الإنسان .
–            كما يظل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية سجين نقاشات دينية .
–           كما يشير قمع حركات الاحتجاج الاجتماعي والتقييد التعسفي للحريات بالعودة إلى الممارسات القمعية القديمة ( إدانة مجموعة من الشباب بوصفهم عبدة الشيطان، القمع الوحشي للحركات الاجتماعية ـ قمع المظاهرات المناهضة للحرب ) .
–           إن وضعية الحريات العامة موسومة اليوم بالصعود القوي للمنطق الأمني ، كما تشهد تحريم الرأي أو التعبير أو النقاش المتعلق ” بالطابوهات المتميزة بالحساسية ” كالملكية والدين أو الوحدة الترابية .
–           العودة من جديد للاختطافات والتعذيب والمساس بحرية تكوين الجمعيات ومتابعة الصحفيين .
–           غياب استقلالية القضاء .
–           عدم الاعتراف باللغة والحقوق الثقافية الأمازيغية على مستوى الدستور .
–            إن صيرورة لامركزية الجماعات الترابية لم تنته لحد الآن إلى أي شيء ، في وقت تظل فيه مراقبة سلطة الوصاية الممارسة من قبل وزارة الداخلية جد ثقيلة ، و خاصة على الجماعات المحلية .
II تحولات :
إن التساؤلات في هذه الفترة تتعلق بدور المواطن في صيرورة إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، وبفعل حذر الأجيال الجديدة ، سواء اتجاه مؤسسات الدولة أو المنظمات السياسية ، فإن المجتمع المدني مدعو عبر تجلياته المنظمة والمتمثلة في الجمعيات ، لكونه مندرجا في إطار ديناميكية للصراع من أجل تحقيق الديمقراطية ، إلى التفكير في تشييد وعي جديد وممارسة عملية من أجل إنجاز المشروع الاجتماعي .
إن صيغ مشاركة الشباب في الأحياء والنوادي ، والضغط الذي تمارسه الجمعيات النسائية وجمعيات حقوق الإنسان على المنظمات السياسية ، وجمعيات الدفاع عن البيئة ، وحملات التربية على حقوق الإنسان ، تجعلنا نأمل في بروز ثقافة سياسة جديدة ، وعلاقة مغايرة  بالدولة .
إننا نجدنا أمام صيغ جديدة للمشاركة ، أمام تحول في أنماط التمثيلية ، وأيضا أمام إعادة صياغة للعلاقات التضامنية ،  إننا في حضرة علاقة مغايرة للمواطن بالسياسة:
1 –  فمركزية حقوق الإنسان في النقاشات السياسية وتحرير الألسن ( الشهادات حول سنوات الرصاص ) تخرج قوى الظل من تحفظها كي تدافع عن نفسها،
والالتزام العميق لدى الحكومة والقصر بحماية وإنعاش حقوق الإنسان يقوي الشعور بأن هناك خطوات تقدم ثم إنجازها خلال العشرية المنصرمة بخصوص عدد معين من الملفات .
2 – إن الإطار الاجتماعي – الاقتصادي ، السياسي والمؤسساتي المغربي ، يمر حاليا بأحد المراحل الأكثر نشاطا وفاعلية في تاريخه ؛ فالتغيرات التي عرفتها التوجهات ، أو المعلن عن حدوثها ، تبين أنها ضرورية تحت التأثير الذي مارسته في نفس الآن تحولات المجتمع والاقتصاد ، وكذا التحديات الناجمة عن تطور البيئة الاقتصادية الدولية .
3 – إن إدراك إشكالية التنمية يندرج منذ اليوم في إطار منطق للشراكة والمسؤولية المشتركة .
4 – انسحاب الدولة باعتباره ” خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه “.
5 – إنعاش القطاع الخاص المستهدف لتنمية قدراته في الحلول محل الدولة في المجال الاقتصادي ؛ و يتم ذلك في المغرب من خلال دينامبة مطالِبة لدى جيل جديد من المقاولين ، وإعادة تشكيل الفضاء العمومي ، إلى جانب وسم السلطة بسمة ” المقاولة ” . إن المقاول المغربي يريد أن يكون عاملا من عوامل التغيير الاجتماعي ويطور تسويقه الاجتماعي من أجل تحسين صورة تلوثت بفعل الأرباح الوقحة والفساد الضريبي ، والفاعلون الاقتصاديون يتنازعون منذ اليوم بالمغرب بخصوص رجحان كفة الفضاء العمومي في إطار منطق للحراك الاجتماعي وإعادة تشكيل الطبقة السائدة والمسيطرة .
6 – توسيع مشاركة المجتمع المدني عبر المنظمات غير الحكومية التي تعرف أكثر فأكثر من الحيوية.
III عوائق في وجه تطور الجمعيات :
تصطدم الحركات الاجتماعية الديمقراطية بعديد من العوائق والمقاومات بخصوص تشييد وبناء الديمقراطية ، نذكر من بينها هنا :
1)                 الحكم المركزي ، الذي وإن تلقى ضربات رهيبة ، فإن لديه قدرة كبرى على التجدد عن طريق ابتكار صيغ جديدة للتدخل تتراوح ما بين النوايا الاسترجاعية ، وإعادة تشكيل قواعد اجتماعية جديدة له ، والقمع العنيف .
2)                 الحركة الأصولية : ولا يتعلق الأمر هنا أبدا بمجرد حادث عرضي ؛ فالمرحلة مطبوعة بصعود الحركات الهوياتية الشعبوية و الأصولية من جميع الأصناف ، ولا يمكننا أن ندير ظهورنا لتصويت شهر شتنبر ؛ فرغم التحفظات التي يمكن أن نبديها بخصوص شفافيتها(الانتخابات) ونسبة المشاركة المحدودة فيها ، فقد صوت المغاربة في الغالب لليمين ، وذلك مايجب الاعتراف به ، وهذا النزوع لا يخص المغرب وحده . وفضلا عن ذلك ، فقد تم من خلال أحداث 16 مايو الإرهابية تجاوز حد آخر ؛ فقد جاءت الجرائم المرتكبة لكي تحمل إدانة لا مثيل لها للمشيرين
الإيديولوجيين بها ، ذلك لأنه وطوال سنوات خلت ، وفي  غياب أي عقاب ، فإن الإشادات والتظاهرات العمومية ، الشرائط الصوتية وشرائط الفيديو ، والكراسات
الموزعة على مرأى و مسمع من الجميع ، حثت على الجريمة وعلى الردة واللعنة ومعاداة السامية ، وعلى الكراهية وعدم التسامح . وقد تبين تبعا لذلك أن مما هو مستعجل الإنكباب على تحديد وتعريف مشروع اجتماعي وسياسي جديد .
3)                 الأوليغارشية المالية الدولية التي تنشط بقوة متلفعة بخطاب الحداثة ، والتي كانت المستفيد الأول من الخوصصة ، لا تكتفي بربح المال ، لأنها تريد أيضا أن تربح صداقة ودعم الحركات الاجتماعية ، وهكذا فقد أطلقت إستراتيجية لاحتواء وتلعيب هذه الحركات كي تجعل منها قوة جديدة للتدبير الاجتماعي ووكلا ء جدد لليبرالية الجديدة ، ويشهد على ذلك تعدد أوراش البنك العالمي ل ” التداول والتنسيق مع المجتمع المدني ” ، كما أن الهجومات التي قامت بها السفارة الأمريكية من خلال الخلية المسماة خلية ” الديمقراطية” وكذا المنظمات العاملة مع الحكومة الأمريكية ، وتمويل هام للأنشطة الجمعوية ، هي أيضا علامات تشهد على إرادة إجهاض نشوء وبروز طريقة جديدة ومغايرة لممارسة السياسة ، وبذلك فإن النزعة الأصولية تتقوى في ظل الشروط المتسمة بتشبيه الحركات الديمقراطية و نعتها بكونها عملاء للإمبريالية الأمريكية التي “تقتل المسلمين” في فلسطين وأفغانستان والعراق .
4)                 الأحزاب السياسية التي تتشبث بالعالم القديم لكونها مقاطعة ومنتقدة من قبل القوى الاجتماعية الناشئة ، والتي تظل مع الأسف إما متقوقعة في الخطاطة التقليدية ، أو غير ممتلكة بعد لنظرة واضحة بخصوص الدور الذي عليها أن تلعبه في مجال التجديد السياسي . غير أن ذلك يعمق هشاشتها ويجعلها عرضة لمحاولات التلعيب والقولبة ، أليس مؤسفا أن نرى حزبا من الأحزاب الموقعة على وثيقة الاستقلال ، حزبا كان في قلب أحداث سنة 1952 ، وعلى رأس أول حكومة في المغرب المستقل ، وهو يسقط إلى الحضيض ويصارع اليوم من أجل الحصول على حقائب وزارية ؟ ..  ولكن ، أليس من المؤسف أكثر من ذلك أن نرى القوى الديمقراطية غارقة في نزيف من الصراعات الداخلية والتمزقات حتى دون أن تكون الرهانات السياسية لهذه الصراعات على الأقل واضحة في أعين الرأي العام ؟ .. صراعات يبدو أنها تنهض من نزعات الهيمنة ورفض التعدد والاختلاف … .
5)                 بريق السلطة : إحدى أوجه الضعف الأساسية في البنيات الجمعوية أو السياسية تتمثل في كونها تبحث عن مشروعية السلطة أكثر مما تبحث عن مشروعية السكان المفروض أنها تدافع عنهم بالضبط ضد تجاوزات السلطة ، إن هذا الافتتان بالسلطة ( السلطة السياسية و سلطة المال ) هو جوهر هشاشة حركة الصراع من أجل الحقوق السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية ، وهو يتهدد على المدى البعيد بإفراغ الحركة الجمعوية مما يمكن أن تضيفه كمساهمة في بناء الديمقراطية.
6)                 التفكير على المدى القصير، وما هو ضبابي في هوية ومهمة الحركة الجمعوية هو هذا التفكير على المدى القصير ، وهذا الضعف ناجم عن غياب مشروع اجتماعي شامل ومتماسك ؛ فالمحلي يأخذ الأولوية على الشمولية ، وبذلك يصبح الميدان ملائما لتطور ونمو الشعبوية : وهناك نوعان من الجمعيات مدعوان لتقوية ركائزهما في ظل هذه الشروط المتسمة بالضبابية في التسيير والخصاص الديمقراطي والفقر المستحكم :
–                     الجمعيات الإحسانية ، وذلك لأنها ” تشتري ” الولاء ، والمستفيدون منها يحسون بأنهم مدينون اتجاه المانحين ، وتاريخ الجنوب يطفح بأسئلة عن الزوايا التي استفادت من المانحين كي تلعب دور الضابط والمنظم الاجتماعي في مناطق نفوذها.
–                     الجمعيات التنموية : وذلك لأنه تتم مماثلتها في رؤوس السكان بالمانحين ، ولأنها لا تدمج التنمية الاقتصادية في إطار دينامية تنمية شاملة وتشاركية وقابلة للدوام وإنسانية في إطار كونية حقوق الإنسان التي لا تقبل التجزيء .
7)                 غياب الخبرة العملية : يقوم النشاط الجمعوي على العمل التطوعي ، وبفعل منطق عصي على الفهم ، لا يحس المتطوع ولا يشعر بأنه ملزم بتحقيق نتائج ولا تقديم الحساب عن المهام التي قبل بشكل إرادي القيام بها ، وغياب هذه الخبرة أو الحرفية بالإضافة إلى الهواية يفرمل بشكل كبير تطور الجمعيات ويخلق نوعا من التدبير المؤسس على شخصنة السلطة وغياب الشفافية في التدبير ، وتلك إحدى أكثر النقط العصية على الحل من أجل التقوية المؤسساتية للجمعيات ، فكيف يمكن تحويل العمل التطوعي إلى عمل متسم بالخبرة والحرفية دون إفراغه من طاقته النوعية والخاصة به ، والمتمثلة في الهبة ؟.. إن العمل التطوعي يظل أحد نقط القوة في الحركة الجمعوية وأحد السمات المميزة بالمقارنة مع المبادرات ذات الخصائص الربحية ، وأهم من ذلك فإن العمل التطوعي في مجتمع فاقد للبوصلة الهادية ، يعيد تجديد الديمقراطية ويعيد المبادرة إلى أيدي المواطنين .
8)                 التواصل الضعيف (أو المنعدم) سواء منه الداخلي أو الخارجي ؛ فالجمعيات المستفيدة من الدعم الخارجي وجدت ذاتها مكرهة بقوة الأشياء على أن يكون لها برنامج لنشاطاتها ، والجمعيات التي لديها بطاقة تعريفية أو حتى تقرير عن أنشطتها هي جمعيات ناذرة وقليلة العدد ، وعندما يوجد هذا التقرير ، فإنه لا يبدو أنه روعي  عند وضعه أن يشكل أداة للتواصل ، وبذلك يجد انتقال المعلومة بداخل الجمعية وخارجها ذاته مغيبا تماما وغائبا .
9)                 التدبير المهيكل : التدبير في الغالب بدائي ، غير فعال ولا شفاف ، و تفسر هذه الوضعية بضعف الوسائل المتوفرة عموما، وبفعل أن الراعي – الزعيم للجمعية يقوم بالأساسي من أنشطة الجمعية ، وكذا بفعل أن المعارف في مجال التدبير ( وبالخصوص في مجال المحاسبة والمالية ) هي من الأشياء الناذرة الوجود لدى الأطر الجمعوية ، و الجمعيات التي تنخرط في الممارسات الدارجة في القطاع غير المهيكل هي جمعيات كثيرة العدد ؛ فلا احترام للقوانين الاجتماعية و لا تصريحات ضريبية عن المستخدمين الدائمين ، هؤلاء الذين يظلون طيلة مدة أدائهم لمهامهم تحت المسؤولية القانونية للمؤسسة ، وهذه الحقيقة الواقعة تؤكد الفساد الأخلاقي في الجمعيات وكذا القبول بعدم أولوية القاعدة القانونية .
10)            روح الطائفة والعداوات المتحزبة مع نزوعها الهيمني ، وهذه الوضعية تعوق التشاور في مابين القطاعات ، ومساهمة كل الطاقات الكامنة في إنجاز أهداف مشتركة .
إن الإستراتيجية المواطنة لا يمكن تصورها بدون ديمقراطية داخلية ، بدون توفر الفعالية والشفافية .
IV بدائل :
تجد الحركة  الجمعوية ذاتها اليوم في مواجهة ثلاثة استراتيجيات هي في نفس الآن متداخلة ومتناقضة.
1)                إستراتيجية نيوليبرالية رئيسها الأعلى هو البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمات المرتبطة يهما ، وهي تستهدف تشجيع الانعطاف نحو سوق مدعمة ماليا ، تمر عبر تقوية وتعميق تخلي الدولة عن التزاماتها ، وهذه الإستراتيجية تعلي من شأن آليات منطق تجاري يرتبط فيه استمرار وبقاء الخدمات الجمعوية بالثقافة التدبيرية ، وتصاحب هذه الإستراتيجية بنشاط إنساني وخطاب تخليقي ، وتعتبر محاربة الفقر مثالا نموذجيا لهذه الإستراتيجية ؛ وذلك لأنه انطلاقا من حد معين ، يصبح الفقر خطرا على التوازن الاجتماعي ، وكذلك الفساد ، غير أن هذه الإستراتيجية متمثلة في إطار روح الصدقة والإحسان ، فمن الأكيد أن عشرات الآلاف من عمليات الإفطار من شأنها أن تخفف من الإحساس بالجوع ، لكنها لا تحجب الأسباب الحقيقية والأساسية الكامنة وراء الفقر :
–                     مراكمة الثروات في أيدي أقلية ضئيلة ، وهو تراكم ملطخ في الغالب بالجرائم والاستغلال الوقح والفساد والابتزاز بالإكراه ( اختلاس المساعدات المقدمة من قبل برنامج الغذاء العالمي ، وقد تم تقديم العديد من أطرا لصندوق الوطني للقرض الفلاحي أمام العدالة ، فضيحة القرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي … ) .
–                     الدوامة الجهنمية للديون ( والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي يتلقيان من البلدان المدينة أكثر مما أقرضاهما ).
–                     الفساد ، الامتيازات غير القانونية والزبونية ، هي ما تشكل أساس تدبير الممتلكات العمومية التي تم تحويلها لإشباع الحاجات الخاصة ، والناس الأكثر فقرا وخصاصة هم الذين يتحملون النتائج والتأثيرات المفجعة الناجمة عن ذلك .
إن إستراتيجية المنظمات غير الحكومية هي مطبوعة باجتماع الضدين ، فإلى أي حد يمكن للجمعيات أن تفلت من هذه الإستراتيجية المستهدفة لإفراغ الصراع من أجل الحقوق الاقتصادية من بعدها المواطن ، وتحويل الجمعيات إلى  وكلاء جدد للنيوليبرالية ؟ …
2)          إستراتيجية اجتماعية للدولة : بعد تحلل الدولة من التزاماتها ، كانت الجمعيات في مواجهة منطق إجراءات كانت نتائجه في الغالب تتمثل في تحويلها إلى أدوات إن لم يكن تهميشها؛ فقد تم اعتبارها بشكل زائد عوامل مكملة ومساعدة للسلطات العمومية أكثر من اعتبارها شركاء .
3)          إستراتيجية تضامنية ومواطنة تستهدف نشوء وبروز سلطة مضادة حقيقية ، فما العمل بالفعل المواطن في غناه واحترام تعدده من أجل استعادة تعبير الإعلان الكوني لحقوق الإنسان ” الحق في مقاومة القمع ” ؟ .. إن الخطابات الالتقدمية في
الإستراتيجية الأولى والثانية والمقواة بفعل الخوف المستبطن طوال 40 سنة من القمع وبفعل هم التعبئة الاجتماعية لدى النخبة الذي لا يمكن تصوره إلا تحت الجناح الحامي للسلطة الفاتنة ، جعل من الصعوبة بمكان دعم وتقوية استراتيجة لإعادة بناء المواطنة ، إن المطالبة بالحقوق تنبني في إطار ممارسة سلطة مضادة ، غير أن هذه الإستراتيجية سيصعب كثيرا دعمها وتقويتها ما دام أن الحركة الجمعوية تعرف مظاهر ضعف داخلية على مستوى التدبير الجمعوي .
V تحديات :
إن تمييع الأحزاب يجعل من الراهنية بمكان مسألة بناء فضاء سياسي جديد مساوق لخطوات التقدم لدى الحركة المواطنة ، وبناء صيغ جديدة للعلاقة في مابين الحركة الاجتماعية والشأن السياسي ، والديناميات الاجتماعية تلعب دورا هاما في بناء هذا الفضاء . أكيد أنها لم تستطيع أن تجعل من قضية أديب حركة مماثلة لقضية دريفوس ، لكن النسيج الجمعوي نجح في المنازلة :
1)                 في رفعه القضية النسائية إلى مستوى النقاش الوطني ، وفي  هذا الإطار لا زالت هناك طريقة طويلة لا بد من قطعها بالنظر للاعتداءات وأشكال العنف التي تعتبر النساء ضحايا لها ، وبالنظر إلى تجاهل حقوقهن في المساواة والإنصاف .
2)                 في جعل ملفات الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان رهانا سياسيا يعيد النظر في أسس الدولة الاستبدادية والقامعة.
3)                 في تكسير حاجز الخوف والتحريم بخصوص موضوع الفساد . وحتى على هذا المستوى ، فإن التهديد بالتمييع يظل مطروحا بقوة، والتحدي يتمثل في أن نجعل من مناهضة الفساد لا فقط مسألة تربوية وتحسيسية للمواطنين ، وإنما معركة حقيقية ضد الإفلات من العقاب .
4)                 في إنجاز مشاريع رائعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية … لكن السؤال يظل مطروحا بخصوص كيف السبيل إلى تحويل هذه النشاطات إلى قوة لاستعادة السلطة من طرف السكان ، وتحاشي الوقوف موقف الجمعيات الإحسانية التي تشتري ” الولاء ” وحيث يحس المستفيدون بأن عليهم دينا اتجاه المانحين ؟ .. وتلك تقنية وظفتها الحركات الأصولية لصالحها ، كما تمت معاينة ذلك إبان الانتخابات الأخيرة .  وكيف يمكن أخيرا تحاشي أن يصبح المرء وكيلا تنفيذيا للإستراتيجية النيوليبرالية بزعامة كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمات المرتبطة يهما ، والتي تستهدف تشجيع الانعطاف نحو سوق مدعمة ماليا تعلي من شأن آليات منطق تجاري ، هنا حيث دوام واستمرار الخدمات الجمعوية مرتبط بثقافة تدبيرية .
5)                 في إطلاق دينامية لحماية المال العام بعد فضائح اختلاس الأموال العمومية .
6)                 في إطلاق حركة لتجميع واحتجاج جمعيات الدفاع عن البيئة بمناسبة انعقاد الملتقى الدولي حول التغيرات المناخية.
كل هذه الحركات التي لا داعي لذكرها تساهم في ابتكار قيم التحرير وتحديد برامج بديلة ستمكن من إعادة بناء  وتشكيل الشأن السياسي .
ومع ذلك ، فإن هناك أسئلة مشروعة تظل مطروحة :
7)                 هل ستستطيع الحركة الاجتماعية إنجاح محاولاتها في المساهمة في تشييد دولة القانون المحترمة لحقوق وواجبات الأفراد والجماعات ؟ ، إن تشظي الحقل السياسي الديمقراطي ووضعية الحركة النقابية بالمغرب لا تدعوان  للتفاؤل بهذا الخصوص .
8)                 كيف يمكن التفكير في النقاش الإستراتيجي وصيغ التنظيم على المستوى العالمي ؟  دون بناء ذلك بطبيعة الحال على أساس فقدان الذاكرة .
9)                 أليس من المستعجل فتح نقاش حول العلاقة في ما بين الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية في أفق تشكيل جبهة للدفاع عن القيم الديمقراطية ؟ .
10)            ما هو السلوك الذي يجب تبنيه اتجاه الاستشارات الانتحابية ؟ – هل يتوجب علينا أن نستمر في تبني موقف ” الحياد النسبي ” ؟ .
11)            كيف يمكننا أن نبني في كنف الحركات الجمعوية أنماطا من الاشتغال الديمقراطي وأنماطا لضبط وتنظيم رهانات السلطة تكون متقدمة على الأحزاب ؟ – إن ما يمكننا أن نستمد منه مشروعيتنا هو هذه الديمقراطية العاملة من اجل علم تعوني لا تنافسي .
12)            كيف يمكن تجاوز تفجر الحركة الجمعوية حتى نضمن الرؤية الواضحة والحقيقية للمشروع السياسي ، مع الحفاظ في نفس الآن على هويتنا واستقلالنا ؟ .
ومع ذلك ، فلا يتعلق الأمر أيضا وأبدا بأن تقف أحزاب اليسار في موقف الممثلين الجدد للحركات الاجتماعية والناطق الطبيعي باسمها ، إذ سيكون من المضر أن تحاول أحزاب اليسار الاستحواذ و فرض وصايتها على الحركات الاجتماعية من خلال محاولة إيجاد مخرج تصريفي لمبادئها المحركة من أجل إعادة تشكيل اليسار ، سيكون ذلك خطأ وحسابا مغلوطا بالنسبة لهؤلاء وأولئك . وعلى العكس من ذلك ، فإن من مسؤوليات القوى السياسية أن تستخلص النتائج من توجهاتها لتقديم اقتراحات جديدة للمواطنين والمواطنات الذين هم نحن ، وعلى الحركات الاجتماعية أن تتحرك وأن تفكر وأن تدعو بداخل المجتمع إلى مناقشة اقتراحاتها انطلاقا من الميادين  التي تخوض فيها صراعاتها . إن على فضاءات النقاش ، دون تحويلها على ذرائع ، ودون نزقية ولا بغضاء ، أن تنبني على أساس الاقتناع القوي بأن وجود سلطة مضادة في المجتمع ليس تهديدا أبدا ، بل هو على العكس من ذلك ضرورة مطلقة للديمقراطية .
ويمكن إيجاز هذه المحاور بالطريقة التالية :
7 ) محاور العمل :
7-1 ) الشأن السياسي :
لقد تبين أن المزج بين التفكير و التنظيم الجماعي في علاقة مع الحركية الاجتماعية ضرورة من أجل إعادة التفكير في نشاطنا الاجتماعي ، كما أن وضع الحركة الاجتماعية في الأفق العالمي أصبح شيئا مستعجلا بخصوص تنمية التآزر وأشكال التضامن العالمية في سياق موسوم بتسارع صيرورة العسكرة والعولمة النيوليبرالية .
7-2 ) التحالف والتنظيم الشبكي :
إن إحدى العوائق التي تحول دون إشعاع النشاط الجمعوي وقدرته على الانتصاب كحركة مولدة للتغيرات تتمثل في : انفتاح ضعيف للفاعلين الجمعويين على بعضهم البعض ، التواصل الداخلي والخارجي الضعيف ، وكذا الغياب شبه الكلي للمشروع الاجتماعي المتماسك والشامل المشترك . وبالفعل ، فبدون نظرة شمولية ومتفق  حولها بين مختلف الفاعلين ، فإن جهود هذا الطرف أوذاك تظل محدودة .
7-3 ) الحوار في مابين مختلف الفاعلين الاجتماعيين :
إن على الحركة الجمعوية في هذه الفترة أن تقوم بعملية استبطان لمساراتها وأن تفكر في علاقتها مع الفاعلين الاجتماعيين الآخرين ، وذلك بغرض الرسم المشترك للخطوط الكبرى لآفاق العمل لمشترك من اجل الدفاع عن القيم الديمقراطية ، وذلك في إطار احترام الاستقلالية و حقول الاشتغال الخاصة بكل طرف .
7-4 )  لقد أبان لتفكير في النشاطات التكوينية المنجزة من قبل الفاعلين الاجتماعيين والحركات الجمعوية والنقابات والأحزاب السياسية بالمغرب ضرورة تبادل النشاطات التكوينية في أفق هيكلتها وجعلها متخصصة وضمان أولويتها .
7-5 ) التمويل :
المساهمة في تيسير الوصول إلى  التمويل في إطار الاستقلالية واحترام الاختيارات الإستراتيجية لدى الجمعيات ، وسيتعلق الأمر على هذا المستوى بالعمل على ضمان أولوية تمويل الفاعلين في المجتمع المدني المغربي ، وخاصة صغار الجمعيات العاملة على مقربة من المواطنين ، وكذا ضمان مساهمتها باعتبارها مخاطبين وشركاء بمعنى الكلمة في اختيار  نماذج التنمية المفضلة
7-6 ) الشباب :
اقتناعا بأهمية تبادل التجارب وتأثيراتها التكوينية في هذه المرحلة التي تمر منها الإنسانية ، وانطلاقا من روح تصريح بوزنيقة ، تبين أن من الضروري رسملة التجارب التجديدية للملتقى الاجتماعي المغربي ، عبر تفعيل بدائل اجتماعية على المستويين الجهوي والمحلي .
7- 7 ) خلق فضاءات موضوعاتية وجهوية .
أمام تعدد الفاعلين وتعدد المفاهيم المرتبطة بالتنمية ، يتم اليوم تبني مفهوم ” التنمية الديمقراطية التشاركية ” باعتباره مفهوما ونظرة للعالم من طرف القليل من الفاعلين ، كما انه مفهوم متلائم مع شريحة قليلة العدد من الجمعيات ، وبالفعل ، فالجهود في الغالب مشتتة ، والانعكاسات لا تحقق دائما التأثير المرجو .
وانطلاقا من هذه المقاربة ، فإنه من الضروري تقوية فضاءات التنمية الديمقراطية والمواطنة والتعبئة بغرض التأثير والتوجيه وهيكلة الفعل الاجتماعي بالمغرب ، وكذا العمل على تقارب الجهود بالطريقة التي تجعلها تترجم إلى تأثيرات حقيقية و ديناميات للتغيير