يعتبر قطاع النقل الحضري وخصوصا الحافلات العمومية من بين أهم المرافق التي يلج إليها المواطن بشكل يومي، مما يجعلها مؤثرة وقادرة على تشكيل فارق في السير العادي للحياة داخل المدينة. إن الشرائح التي تلج الحافلات العمومية غالبا ما تتكون من طلبة، تلاميذ، عمال وعاملات، موظفين وعموم المواطنين.
إن اختيار وسيلة نقل بشكل يومي مبني على التسعيرة وعلاقتها بالمدخول الشهري مما يجعل اختيار هذه الوسيلة للتنقل ليس اختيارا حرا إنما ضرورة ملحة وبالتالي الفئات المذكورة أعلاه مجبرة على الركوب وشراء تلك الخدمة في غياب البديل. وبالتالي فإن جودة الخدمات المقدمة من طرف الشركة المفوض لها المرفق العمومي مفروضة على الزبائن ورفض الزبون للخدمة في غياب البديل أمر صعب لأهمية التنقل والسير العادي للحياة. يمكننا تعريف الجودة أنها شعور بالرضى لدى الزبون مقابل الخدمة أو المنتوج المؤدى عنه، وبالتالي حتى بمنطق السوق فإن الشركة حينما تزيد من الجودة يزداد عدد الزبائن وبالتالي الأرباح.
لكن هنا في هذه الحالة نجد أنفسنا أمام وضع غريب حيث إن الشركة تفرض نفسها على المواطن انطلاقا من تعاقد بينها وبين المجلس المنتخب في المدينة. وهنا نتساءل: من المسؤول على ضمان الجودة و مراقبتها؟ علما أن نسبة الزبائن ثابتة لدى الشركة لأنهم مرغمين، وحتى لو خفضت الشركة الجودة ستظل ثابتة مما يعني من دون شك أن الشركة ككيان وبنية تسعى إلى الربح بأي طريقة حتى ولو كانت غير أخلاقية.
وعليه فستحاول تحقيق الأرباح ليس برفع تسعيرة التنقل فقط، لكن بخفض الجودة أيضا. وهنا نطرح العديد من الأسئلة: هل فعلا تم تفويض هذا المرفق للشركة من أجل تحسين الجودة كما يدعون في كل مرة أم فقط الخوصصة من أجل ذاتها؟. هنا لنا الحق في التساؤل عن كيفية تدبير هذا المرفق العمومي وهل يحق لأي كان تحقيق الأرباح بطريقة غير أخلاقية؟ من يسهر على حماية المواطن وضمان السير العادي لجميع المرافق العمومية؟ نظرا لأن المواطنين والمواطنات قبل وصولهم لعملهم يلزمهم الركوب في الحافلات وبالتالي هناك تأثير يومي على نفسية المواطن قبل وصوله لعمله ولا أظن أن موظفا تلقى خدمة سيئة خلال تنقله أن تكون نفسيته مرتاحة لخدمة المواطن داخل الإدارة، ولا أظن أن طالبا بعد تنقله عبر الحافلة في غياب تام للظروف الإنسانية أن يلتحق بالمدرج وأن ينصت لمحاضرة حول الإنسانية ولا يعقل أن ندرس تلميذا حول التربية على المواطنة وهو مهضوم من حق التنقل بطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها إهانة في حقه.
وبالتالي هناك انعكاس للوضع داخل هذا المرفق على المؤسسة وذلك في غياب من يحمي المواطن ويشعره بأن له دور مهم في تشكيل القرار سيجعله ينفر من المؤسسة بالطريقة التي يسير بها الوضع داخل المدينة مما يزيد من حالة الاستياء في أوساط الشباب ويدفعهم لرفض الوضع. وبالتالي الحديث عن هبة الدولة هو حديث عن قوتها في مراقبة الشركات والتحقق من سلامة المواطن من أجل تثبيت ثقته في المؤسسات والرفع من مصداقيتها.
أويس بحاج