نصَّ الدستور المغربي الجديد على الحق في الولوج إلى المعلومة بوصفه إحدى الخطوات الأساسية على درب تقوية الديمقراطية وترسيخ دولة القانون. هكذا نجده يعترف بأن “للمواطنات والمواطنين الحق في الولوج إلى المعلومة التي بحوزة الإدارة العمومية والهيئات المنتخبة والمؤسسات المكلفة بمهمة من مهام الخدمة العمومية”.
وهذا الحق لا يحده إلا القانون من قبيل مراعاة الإكراهات المحتملة المرتبطة بمسائل “الدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي للدولة، وكذا الحياة الخاصة للمواطنين”، و”المس بالحقوق والحريات.” (الفصل 27).
الاعتراف بهذا الحق، الذي ينبغي أن يؤطره القانون، يستجيب لمطالب عبَر عنها عدد من الفاعلين المدنيين والسياسيين منذ سنوات عديدة، إذ يطالبون بمزيد من الشفافية في العمل العمومي وبالتزام محاربة الفساد.
ويتيح هذا الاعتراف انسجام المغرب مع عدد من التزاماته الدولية والاستجابة للمعايير الجاري بها العمل في عموم الدول الديمقراطية.
وقد شهدت الدول الأكثر تقدما، منذ زمن غير بعيد، ميلاد بُعد جديد من أبعاد الحق في الولوج إلى المعلومة، وذلك بفضل دخول البشرية في العهد الرقمي. وتشدد هذه الحركة (المسماة “المعطيات الحكومية المفتوحة” Open Government Data أو “المعطيات المفتوحة” Open Data) على إمكانية استغلال وإعادة استعمال المعلومات العمومية. ويتعلق الأمر،على الخصوص، بولوج المعطيات الخام التي تجمعها أو تنتجها الإدارات من أجل تثمينها.
وعلاوة على التقدم الذي يستتبعه ذلك في مجال الديمقراطية والشفافية، فإن أهداف هذه الحركة متعددة، منها تمكين المواطنين من معلومات مفيدة تسهل حياتهم، وتحديث الإدارة والمرافق العمومية، وتحفيز النمو الاقتصادي عبر توفير أمثل للمعلومة، وتسهيل سريانها، وتطوير تقنيات الإعلام، وإرساء أسس اقتصاد رقمي.
وفي حالة المغرب، فإن تفعيل الحق في الولوج إلى المعلومة ينبغي له، من الآن فصاعدا، أن يدمج متطلبات وفرص المعطيات المفتوحة، من وجهة نظر سياسية ومؤسسية و تقنية كذلك. ويتعلق الأمر باعتماد مقاربة مجددة في تجاوز حالات التردد أو المقاومة التي قد تبديها بعض الإدارات، وإحداث تحول ثقافي في داخلها من أجل محاربة التوجه الذي يرمي إلى احتكار المعلومة باعتباره مصدرا للسلطة الشخصية على حساب المصلحة العامة.
وينبغي بهذا الصدد العمل، بوجه أخص، على وضع أسس منسجمة لمجتمع المعرفة يستطيع فيه مختلف الفاعلين المساهمة فيه.
في خضم النقاش المتولد عن انخراط المغرب في تفعيل الحق في الولوج إلى المعلومة، طلعت علينا إيمان لحريش بمقال رأى النور في موقع analyz.ma يوم أمس السبت 25 ماي، تبسط فيه رأيها حول الموضوع حيث أكدت في البداية على أن تفعيل نظام المعطيات المفتوحة يعد إحدى الخطوات الإيجابية التي يمكن للحكومة اتخاذها لتحقيق مختلف الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بيد أنها لاحظت أنه قد يبدو من غير العادي أن آلية واحدة فقط يمكن أن يكون لها الكثير من المزايا.
ومع ذلك، تقول إيمان لحريش، فإن الفوائد العديدة لنظام المعطيات المفتوحة تنبع من حقيقة أن الضمانة القانونية تقع في صلب اهتمامات كل من الحكومة والمواطنين؛ لأن المساهمة في الحكامة الرشيدة لا تكمن فقط في استعداد الحكومة لتكون شفافة، ولكن أيضا في قدرة المواطنين على طلب / استخدام المعطيات العامة. وفي رأي المحللة والمستشارة المهتمة بالسياسات العمومية والحركات الاجتماعية أنه يمكن لنظام المعطيات المفتوحة الفعال أن يغير بشكل أساسي الطريقة التي تتفاعل بها الحكومة مع مواطنيها.
بالنسبة لإيمان لحريش، لا ينبغي أن يكون سن قانون أو استراتيجية بشأن فتح المعطيات العامة إجراء منعزلاً، بل يجب أن يكون مندمجا ضمن مجموعة من القوانين وإطارا للسياسة العامة أكثر انفتاحا وشمولية وشفافية وخضوعا للمساءلة. مثل هذا الإطار -تقول المستشارة – يمكن أن يجعل البلد أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي. بالنسبة للمستثمرين، مثلا، لكي يشعروا بالأمان فيما يتعلق بالأموال التي يساهمون بها في اقتصاد بلد ما، يجب أن يكون لديهم إمكانية الوصول إلى المعطيات الحديثة، مثل السياسات الصناعية والاستثمارية؛ عمل السلطات التنظيمية والمؤسسات المالية؛ آليات تسوية المنازعات ، إلخ.
وبهذه الطريقة، يمكن أن تكون ثقافة الحكامة الشفافة خطوة مهمة نحو إقامة حوار أكثر انفتاحا بين الحكومة والسكان وجميع الفاعلين الذين يروجون للدينامية الاجتماعية والاقتصادية للبلد. من هنا تسنتج الكاتبة أن المعطيات المفتوحة تحفز الديمقراطية.
الإنترنت – تتابع المحللة – عزز ظهور الحكومة الإلكترونية، والمشاورات العامة الواسعة النطاق والمشاركة المباشرة في صنع القرار (الديمقراطية الإلكترونية). كما تلاحظ أن الإفصاح الاستباقي (المعطيات المفتوحة في غياب إطار قانوني) حول الخدمات العامة اكتسب زخما جديدا على مدار العقد الماضي من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التي تحول الإجراءات البيروقراطية البطيئة مع الكثير من الأعمال الورقية إلى معاملات بسيطة مع وثائق ونصائح يمكن الوصول إليها بنقرة ماوس.
في هذا السياق، استحضرت الكاتبة تجربة استونيا، الدولة التي أحرزت تقدما كبيراً على مستوى الحكومة الإلكترونية من خلال تبني أول إستراتيجية إعلامية لها في عام 1998، بعد تسع سنوات فقط من خروجها من المعسكرالسوفيتي. ومنذ ذلك الحين، أصبح الولوج الإلكتروني إلى الخدمات الحكومية أكثر سهولة، إما لدفع الضرائب أو التعليق على مشروع القانون، تستطرد كاتية المقال.
عندما تلتفت الكاتبة إلى بلدها المغرب، تشير إلى التقرير الأخير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم الخدمات العامة على الإنترنت، لتذكر أن من بين ملاحظاته التقدم الضعيف في مشاريع الحكومة الإلكترونية وعدم إكمال بعض مشاريع الهيكلة في إطار الاستراتيجية المغرب الرقمي 2013 (MN2013).
أما بالنسبة لمكون المعطيات المفتوحة، تسجل المستشارة أن تقييم التقرير استند إلى استغلال المعطيات الخام وتقارير مقياس المعطيات المفتوحة التي نشرتها مؤسسة World Wide Web.
ولا يفوت الكاتبة بهذا الصدد التذكير بإحدى توصيات المجلس الأعلى الحسابات الداعية إلى اعتماد سياسة فتح المعطيات بهدف تقديم هذا المفهوم كهدف مستدام وإعطاء الأولوية لفتح المعطيات فيما يتعلق بالاحتياجات الحقيقية للمستخدمين، و لنشرها في أشكال معلوماتية مناسبة وقابلة للاستغلال. هنا، تستنتج المستشارة أن من المهم التركيز على المعطيات التي تستجيب لطلب المواطنين والتي يمكن أن تعزز الشفافية والمساءلة والاستخدام المبتكر للمعطيات.
في الجانب القانوني، تلاحظ الكاتبة أن المجلس الأعلى الحسابات يشدد على أهمية تنفيذ قانون بشأن المعطيات المفتوحة بما يتماشى مع الإطار القانوني الحالي، ولا سيما التشريع المتعلق بالقانون رقم 13-13 بشأن حق الولوج إلى المعلومات الذي سمح للمغرب بدمج شراكة الحكومة المفتوحة بالقانون رقم 09-08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.
وبالرغم من أن المغرب كان أول بلد أفريقي لديه منصة لاستعادة مجموعة المعطيات القابلة لإعادة الاستخدام، والتي تأتي من هيئات عامة مختلفة على البوابة www.data.gov.ma منذ مارس 2011، تسجل الكاتبة أنه، بعد سنوات من إنشاء هذه البوابة، لم يتحقق تقدم كاف في مشروع المعطيات المفتوحة، إذ سجل المغرب تراجعا كبيرا على مؤشر مقياس المعطيات المفتوحة، من المرتبة 40 في عام 2013 إلى المرتبة 79 في عام 2016.
أما بالنسبة للترتيب المتعلق بمؤشر الحكومة الإلكترونية وفقا للتقرير نفسه الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، تذكر كاتبة المقال أن المغرب انتقل من المرتبة 140 (2008) إلى المرتبة 82 (2014). تلا هذا التحسن الطفيف، انخفاض عام 2018، حيث احتلت البلاد المرتبة 78 في مؤشر الخدمات عبر الإنترنت والمرتبة 110 في مؤشر الحكومة الإلكترونية.
في الفقرة الأخيرة من مقالها، خلصت إيمان لحريش إلى أن النشر الرقمي للمعطيات العامة يتيح للمواطنين والباحثين الأكاديميين والشركات والإدارة نفسها استخدام هذه المعطيات بشكل أكثر كفاءة وخلق منتجات وخدمات جديدة ومبتكرة. كما تؤكد أنه سواء تم اعتماد القانون كجزء من سياسة متكاملة أو استجابة لمطالب المجتمع المدني، فإن هذه الخطوة تحفز الديمقراطية. ومع ذلك، تلاحظ الكاتبة، إذا قدم القانون نفسه كشرط للوفاء بشروط الجهات المانحة الدولية، فسيتم مناقشة الالتزام بالمعطيات المفتوحة على المدى الطويل بشكل مختلف.