أجرت جريدة المساءفي عددها ليوم الثلاثاء 14 أبريل 2015 حوارا مع الاستاذ عبد الحق غريب ،الاستاذ الجامعي وعضو قطاع الجامعيين للحزب الاشتراكي الموحد حوارا حول واقع الجامعة المغربية واختلالات التسيير والتدبير التي تعرفها بعض مؤسساته، وفيما يلي نص الحوار كاملا:
1- يعرف قطاع التعليم العالي في عهد الحكومة الحالية مجموعة من التغييرات ، وتثير مجموعة من القرارات بالقطاع الكثير من الجدل خاصة التوظيفات في مناصب المسؤولية و تعديلات في نظام الدراسة ، كيف ترون انتم واقع التعليم العالي في الفترة الراهنة وهل يسير القطاع في طريق صحيح أم العكس ؟
الحكومة الحالية جاءت في ظروف استثنائية وبفضل نضالات حركة 20 فبراير وحلفائها، وبالتالي كان منتظرا منها التجاوب مع هذا السياق والتفاعل الايجابي مع انتظارات المواطنين في محاربة الفساد وتعزيز المكتسبات التي ناضل وضحّى من أجلها الشعب المغربي. إلا أن الواقع العملي لسياسة هذه الحكومة وبرنامجها، جاء عكس ذلك وخيب آمال المغاربة.
بالنسبة لواقع التعليم العالي في الفترة الراهنة، فهو لا يبشّر بخير، ويعيش أزمة شاملة، مردها غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح الشامل، وإصرار الحكومة على الإجهاز الممنهج على التعليم العالي العمومي ببلادنا ونهج السياسات النيوليبرالية، والمقاربة الانفرادية التي تنهجها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تدبير ومعالجة الأمور، من خلال طرح مجموعة من التدابير والتغييرات والإصلاحات أحادية الجانب ضاربة عرض الحائط المنهجية التشاركية التي ينبغي أن تتوفر في أي إصلاح جدي ومسؤول.
إننا داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، التي كانت دوما تدافع عن المنهجية التشاركية والموسعة لإنجاح أي إصلاح، نرى بأن ضرورة إصلاح الجامعة المغربية والتعليم العالي ببلادنا لا يمكن إلا أن يكون في إطار تصور استراتيجي ومؤسس لمجتمع المعرفة، وفي إطار حوار وطني موسع بين كل القوى الحية ببلادنا، لأن إصلاح التعليم مسألة مجتمعية ترهن مستقبل الأجيال القادمة لعقود وبالتالي يجب إخراجها من دائرة التدافعات الحزبية والمقاربات السياسية أو المصلحية الضيقة.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من سؤالكم، والمرتبط بالتعيينات فنحن نشدد على ضرورة اعتماد الكفاءة وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة، والنقابة الوطنية للتعليم العالي تتشبث بمبدأ دمقرطة الجامعة عبر آلية انتخاب رؤساء الجامعات ومدراء المدارس العليا وعمداء الكليات كمدخل للحكامة الجيدة بقطاع التعليم العالي.
2-نتابع و يتابع الرأي العام سواء المحلي أو الوطني ما ينشر حول المشاكل التي تعاني منها جامعة شعيب الدكالي بالجديدة ،حيث هناك حديث عن أساتذة أشباح و حديث عن اختلالات في تدبير الجامعة و التعويضات و الصفقات و تشكيك في مصداقية شواهد الإجازة …، وهي كلها مواضيع يتم نشرها منسوبة إلى “مجموعة من الأساتذة الجامعيين ” أو تنشر بمواقع التواصل الاجتماعي …ماذا يحدث بالضبط بجامعة شعيب الدكالي وهل يمكن أن تبسطوا أوجه هذه الاختلالات ؟
الاختلالات والمشاكل التي تتحدثون عنها والتي يتم نشرها عبر وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية هي في الحقيقة لا تمثل سوى الجزء الظاهر من جبل جليد مشاكل متعددة ومختلفة تتخبط فيها جامعة شعيب الدكالي على عدة مستويات ومنذ سنوات، وهي اختلالات يتم تكريسها وتعميقها بسبب غياب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب افتقاد بعض المسؤولين بجامعة شعيب الدكالي لمقومات القيادة المسؤولة المفترض توفرها في كل مسؤول يدير شؤون مؤسسة عمومية، حيث لا يمكن اعتبار السيرة الذاتية ومشروع تطوير الجامعة/المؤسسة عنصران كافيان للقدرة على التسيير والتدبير وفق مبادئ الحكامة الجيدة.
وما نلاحظه بكل أسف، هو أن نشر المشاكل والفضائح التي تعرفها جامعة شعيب الدكالي يزداد يوما بعد يوم، حيث يكاد لا يجف حبر مقال حول فضيحة حتى تبرز فضيحة أخرى، وكلها فضائح بالحجة والدليل، والذي يطرح أكثر من علامة استفهام وتعجّب واستغراب، هو هذا الصمت المريب وغير المفهوم للوزارة الوصية ورئاسة الجامعة.
يمكننا إذا أن نقول أن الاختلالات التي تعرفها جامعة شعيب الدكالي بالجديدة هي نتيجة حتمية لسوء الحكامة وغياب تفعيل ربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة.
3-وصفتم في كثير من المناسبات تدبير جامعة شعيب الدكالي بالتدبير السلطوي وأنتم تقصدون بالضبط رئيس الجامعة …هل يمكن أن توضحوا للرأي العام أين تكمن هذه السلطوية في التدبير ؟
بالنسبة لسؤالكم هذا يجب التذكير بأن القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي ينص على أن مجلس الجامعة يعتبر أعلى هيئة تقريرية ومسيرة لشؤون الجامعة، أي أن كل القرارات المتعلقة بالتسيير الإداري والمالي والبيداغوجي في الجامعة هي من اختصاص المجلس، الذي يتكون من أساتذة باحثين وموظفين وطلبة منتخبين، بمعنى أن المشرع أعطى صلاحية تسيير شؤون الجامعة لكل مكوناتها، وأن مهمة رئيس الجامعة هي تنفيذ هذه القرارات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التطاول على هذه الاختصاصات.
للأسف الشديد ما نلاحظه في جامعة شعيب الدكالي هو العكس، أي أن الرئيس يتجاوز صلاحيات المجلس ويتخذ في كثير من المناسبات قرارات انفرادية.
على صعيد آخر، لاحظ الأساتذة الباحثون بجامعة شعيب الدكالي أن الرئيس الحالي استقدم طقوس المخزن الاستعراضية في كل المناسبات والملتقيات العلمية التي تنظمها الجامعة، وأصبحت هذه الطقوس جزء لا يتجزأ من برامج الملتقيات العلمية، وهو ما يتعارض ويتنافى مع الأعراف والتقاليد الجامعية.
4-كيف تقيمون واقع البحث العلمي وجودة التعليم بجامعة شعيب الدكالي ؟
إذا كان التسيير الإداري والمالي يعتبر نقطة سوداء بجامعة شعيب الدكالي، فإن واقع البحث العلمي وجودة التعليم يعتبران نقطة قوة هذه الجامعة بفضل مجهودات السيدات والسادة الأساتذة الباحثين. فبالنسبة للبحث العلمي، اسمح لي أولا أن أذكر أن جامعة شعيب الدكالي فتحت أبوابها في مدينة الجديدة سنة 1985. ومما لاشك فيه أنها استطاعت في وقت وجيز، أن تحقق ما لم تحققه جامعات أخرى أنشئت في نفس المرحلة، وأن تتبوأ المراتب الأولى في ميدان البحث العلمي، وأصبحت تعتبر من بين الجامعات المغربية الأكثر عطاء وتميزا وتنافسا وطنيا ودوليا، رغم حداثة نشأتها وإمكانياتها الضعيفة، وسوء حظها في حكامة جيدة.
الأمثلة متعددة ومتنوعة، ولا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها. يكفي أن أشير هنا إلى أن جامعة شعيب الدكالي، التي احتلت المرتبة الأولى في البحث العلمي على الصعيد الوطني (الأيام الوطنية لتقييم البحث العلمي والتقني، 26 و27 مايو 2003، الرباط)، والمرتبة الثالثة ضمن 14 جامعة مغربية (ليكونوميست عدد 3776 بتاريخ 04 ماي 2012)، كان لها شرف احتضان العديد من الملتقيات العلميّة الرفيعة المستوى على الصعيد الوطني، والمغاربي، والعربي، والإفريقي والدّوليّ بشكل عامّ. وسأكتفي هنا بسرد بعضا من هذه الملتقيات العلمية التي نظمتها شعبة علوم الأرض بكلية العلوم التي أنتمي إليها دون أن أتكلم عن باقي الشعب (خمس شعب) بكلية العلوم وعن المؤسسات الجامعية الأخرى التابعة للجامعة (أربع مؤسسات):
1- احتضان المؤتمر الدولي التاسع عشر للجيولوجيا الإفريقية لأول مرة في شمال إفريقيا (18–22 مارس 2002، كلية العلوم)
2- احتضان المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الإفريقية للنساء في علوم الأرض لأول مرة في شمال إفريقيا (06–08 ماي 2006 ، كلية العلوم)
3- احتضان المؤتمر الدولي الأول للجيو منتزهات الإفريقية والعربية لأول مرة في إفريقيا وفي العالم العربي (21–28 نونبر 2011 ، كلية العلوم)
4- احتضان المؤتمر التاسع للرابطة الإفريقية للاستشعار البيئي عن بعد، لأول مرة في المغرب العربي (29 أكتوبر–02 نونبر 2012 ، كلية العلوم)
5- احتضان المناظرة الثالثة لتنسيق مبادرة دورة الماء في إفريقيا، لأول مرة في شمال إفريقيا (04–05 فبراير 2013 ، كلية العلوم)
6- احتضان النسخة الأولى للاحتفال بيوم علوم الأرض في إفريقيا والشرق الأوسط لأول مرة في إفريقيا وفي العالم العربي (20 مارس 2013 ، كلية العلوم)
7- احتضان المؤتمر الدولي الأول للإكنولوجيا البرية لأول مرة في شمال إفريقيا (21–25 أبريل 2015 ، كلية العلوم)
هذا بالإضافة إلى عدد هائل من الاتفاقيات الدولية في ميدان البحث العلمي مع مختلف الجامعات في العالم، ومشاريع البحث العلمي، دون أن ننسى الحضور المشرف والمتميز للطلبة الباحثين في مختلف الملتقيات والمؤتمرات والمسابقات العلمية الدولية، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، إحراز طالب باحث بكلية العلوم على الجائزة الأولى في مسابقة Speed-Thèse ، من ضمن 44 متبار، ينتمون إلى 19 جنسية (يونيو 2009، فرنسا).
أما في ما يخص جودة التعليم، فهذا موضوع مهم ومتشعب ويستحق لوحده حوارا مطولا، لأن التعليم العالي في جامعة شعيب الدكالي بشكل خاص، وفي المغرب بشكل عام، يواجه تحديات كبيرة في ظل العولمة والانفتاح التعليمي، إذ يُعدّ التعليم العالي الأساس في ارتقاء المجتمعات وتطورها، وعليه فإن جودة أدائه تحدّد سمات المستقبل والمكانة في خريطة العالم العلمية.
وعلى كل حال، يمكنني أن أقول بشكل مقتضب أن السيدات والسادة الأساتذة الباحثين بجامعة شعيب الدكالي واعون كل الوعي بهذه التحديات، وينخرطون بكل مسؤولية وتفان للرقي بجودة التعليم، رغم الإمكانيات المحدودة والظروف جد الصعبة التي يشتغلون فيها. ولا أدل على ذلك السمعة التي يحظى بها خريجو جامعة شعيب الدكالي سواء في سوق الشغل، أو في مختلف الجامعات المغربية.
5- ما الإجراء الذي تعتقدون أنه يمكن أن يضع حدا لكل ما يتم الحديث عنه حول تدبير وتسيير شؤون جامعة شعيب الدكالي ، هل تطالبون بحضور لجنة تحقيق وزارية في كل ما تطرحونه من مشاكل و قضايا ؟
من أجل وضع حدّ لكل ما يتم الحد