ذهب أفلاطون في محاورة “السياسي” ” Le politique” إلى تحديد مشروعية الحديث عن مفهوم السياسي أو الكائن السياسي، ووقف عند قدرة السياسي على تدبير الشأن العام داخل المدينة/ الدولة polis، حيث منها اشتق اصطلاح : السياسي. فتبيّن له أن قدرة السياسي على تدبير الشأن العام تستند إلى علم السياسة، بمعنى آخر: تستند إلى المبادئ النظرية التي تقوم عليها المشروعية العلمية للسياسة حيث يقول: «ويحق لنا، على ما يبدو لي، أن ننعت سلطة العلم التي تتحكم في العلوم الأخرى والتي تحرص على القوانين وعلى مصالح الدولة، عبر نسج كل هذه الأمور بأفضل الوسائل، بِنَعت مفهوم، وأن ندعوه سياسة»…
فالسياسة أو السياسي هو الكائن القادر على حياكة نسيج الدولة باستثماره خيوطا متعددة من ألوان الفنون والعلوم الأخرى وإن كانت متنافرة. يستمدّ السياسي كفاءته في تدبير الشأن العام من قدرته على تشريع القوانين. والمشرع هو من يملك السلطة المعرفية في علم يدعى: علم السياسة. ويسميه أفلاطون بالعلم المَلكي.
فالسياسي إن لم يمتلك ناصية العلم الملكي، أي: سلطة التشريع، فهو ليس سياسيا. وهكذا ترى “حنا أرندت” أن أفلاطون هو المؤسس الفعلي للنظرية السياسية في تدبير الشأن العام.
لا يمكن اليوم أن نتحدّث عن الكائن السياسي إلاّ بمقدار إسهامه في تشريع القوانين لتدبير الشأن العام، أي: امتلاكه للعلم الملَكي. والسياسيون اليوم في مدينتنا يمارسون هذه القدرة التشريعية، ولكن ما ينقصهم حقا ليس ممارسة السياسة، بل استقلال الإرادة والفكر.
إنهم سياسيون يربطون ولاءهم لمصالحهم بمصالح الشخص السيد الحاكم وليس بالمدينة، يشرعون بما يرضي السيد لا بما يمكن أن يحرِّر العبيد. إنهم سياسيون بدون Polis، بدون مبدأ الدولة. فهل يستقيم ذلك: أن يوجد الكائن السياسي دون الشرط السياسي؟
هذا هو الإشكال الذي يؤرقني حقا، بعيدا عن التعميمات.