في سياق ما نعيشه من أزمات مركبة ومن هجوم كاسح للأمبريالية العالمية وأدرعها الاقتصادية وامتداداتها السياسية والتي وصلت بتوحشها إلى حد التدخل السافر في مصير البلدان والشعوب بوصفات مشؤومة تحت مسميات مختلفة كالفوضي الهدامة المسماة خلاقة ،وصفقة القرن وأخواتها..، تستمر على الصعيد العربي محاولات الثنائي الصهيوني ـ الأمريكي و حلفائه، مدعّما بالأنظمة الرجعية العربية، في تغذية التطاحنات الثنائية ؛ وغرس الأحقاد، والعمل الدؤوب على محاولة تصفية القضية الفلسطينية في إطار ما اصطلح عليه ب”صفقة القرن” بعد نقل سفارة الولايات المتحدة – منذ اكثر من سنة – إلى القدس في إطار السعي إلى تأبيد الكيان الصهيوني الاستعماري التوسعي، العنصري، في احتلاله و عدوانه على الشعب الفلسطيني و الشعوب العربية في سوريا و لبنان و بتعطيل قرارات الشرعية الدولية.
و هذا ما جعل اليمين الصهيوني المتطرف يعلن مسبقا عن استعداده لضمّ الضفة الفلسطينية إلى الكيان الإسرائيلي و توسيع الاستيطان. و فرض سياسة الأمر الواقع لتصفية القضية القلسطينية و دفع الأنظمة العربية نحو التطبيع وتوجيه الصراع العربي ضد إيران التي يبدو أن الصراع معها عاد ليفتح على العديد من الواجهات كالطاقة والتسلح والنفط. ومع استمرار المقاومة الباسلة و صمود الشعب الفلسطيني المكافح و مواجهته للضغوطات الأمريكية و الصهيونية و لكل الجهات المتواطئة مع صفقة القرن اشتد مؤخرا القصف المباشر على غزة و تضاعفت الإجراءات العقابية على الأهالي و الأسرى (وقد شهدت الأراضي الفلسطينية خلال شهر ابريل 2019 انتهاكات خطيرة للقانون الدولي ولكافة المواثيق والمعاهدات الدولية ، وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي ، اقتراف المزيد من جرائم حربها في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، فضلاً عن استمرارها في فرض حصارها الجائر على السكان في قطاع غزة منذ عدة سنوات وتعطيل عملية إعمار القطاع بعد الحرب الأخيرة عليه ، في إطار سياسة العقاب الجماعي المخالفة لكافة القوانين الدولية والإنسانية في الضفة الغربية.
وانطلقت مؤامرة ضمها بتواطؤ، أصبح مكشوفا، لأنظمة عربية مع الولايات المتحدة و رئيسها ترامب الذي يعمل وبشكل سافر على فرض التصفية النهائية للقضية ؛والتحضير لابتلاع اسرائيل للجولان السورية. وقد بدأت الإدارة الأمريكية في سياسة إخراج معالم صفقتها من خلال التصريحات المدروسة لمقربي ترامب .. مما يتطلب اليقظة والتوجه نحو جوهر الصراع و التشبث بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة و عاصمتها القدس و رجوع اللاجئين .وقد عبر الحزب عن مواقفه في كافة المناسبات واللقاءات مع القيادات الفلسطينية وآخرها خلال حضور الذكرى 50 لتأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وبموازاة مع ذلك نلاحظ استمرار التدخل في حراكات الشعوب وتوجيهها لتحريفها من جديد عن أهدافها مما أدى إلى تدمير ليبيا و اليمن والعراق … لإلهاء هذه الشعوب عن معركة تحريرها من أنظمة الفساد و الاستبداد؛ ودورها إلى جانب فلسطين، ضدّ العدو الصهيوني، .
وإذا كان الواقع يتميز بالنكوص والتراجع وسيطرة الاستبداد فإن الشعوب تفاجئ حكامها ومستبديها كما تفاجئ العالم بحراكاتها الشعبية السلمية ونضاليتها ونضجها وإصرارها على الانعتاق والتحرر.
وفي هذا الصدد يندرج الحراك الشعبي العارم في الجزائر حيث ما يزال الشعب الجزائري يقظا و معبئا ضد محاولات الاكتفاء بتضحية قيادة الجيش ببوتفليقة وبعض مقربيه لكي يستمر النظام المدعوم من الخارج، كباقي الأنظمة المستبدة. كما أن التطورات الأخيرة، أبانت عن انقسام داخل قيادة الجيش، التي تحاول السيطرة على الوضع عبر تقديم “أكباش فداء” و الالتفاف على مطالب الشعب في التغيير الديمقراطي و بناء الدولة المدنية و في هذا الصدد و مع احترامنا لاختيارات الشعب الجزائري،نعبّر عن تضامننا مع السيدة لويزة حنون رئيسة الحزب العمالي التي توجد رهن الاعتقال و تحدّر من الانزلاقات التي يمكن أن تحرّف مسار الحراك عن أهدافه السلمية . و الأمل كبير في نجاح الحراك الجزائري السلمي الحضاري و الحفاظ على الجزائر موحدة و أمنة ومستقرة. لتدخل مرحلة جديدة تفتح فيها آفاق التوزيع العادل للثروة و تحقيق العدالة الاجتماعية و الحرية و الكرامة ؛ ولتسهم الجزائر بدورها الكامل في بناء المغرب الكبير، مغرب الشعوب الحالمة بالتحرر وبالتعاون والتكامل والديمقراطية.
وفي السودان الصامد استطاع حراك الشعب أن يوجه ضربته القاضية لعمر البشير و نظامه القمعي الفاسد المنتهك لحقوق الانسان، وما زال هذا الشعب يعبّر عن عزمه الصمود في الشارع، للتصدّي لكلّ محاولة للتحايل على إرادته وإجهاض ثورته المطالبة بتغييرات جذرية تؤدي إلى الحكم المدني وبناء الديمقراطية الحقة .
وفي نفس السياق يلزم الانتباه اليقظ إلى ما يجري في ليبيا من محاولات لتصفية الخيارات الديمقراطية وعودة خيار حكم العسكر إلى السلطة بمباركة وتشجيع من العديد من الأطراف الشيء الذي أدي إلى سقوط مدنيين في عقر ديارهم ونشر الفوضي لتعديل موازين القوى وموازين التفاوض السياسي.
و لعل أحد الدروس الأساسية من انتفاضات الشعوب منذ 2011 إلى اليوم هي أن سقوط رأس النظام و حده لا يؤدّي إلى التغيير المنشود .. وأن الأنظمة المستبدة تجتهد لنشر ثقافة التخويف عبر التدخلات الأمنية العنيفة لفض الاحتجاجات السلمية حيث يتم الدوس على الحريات باسم الحفاظ على الأمن. كل ذلك بغاية تثبيت الانظمة المستبدة لترجع و تحكم قبضتها على السلطة و تشن هجماتها على المكتسبات، علما بأن مواجهة الاستبداد لا تتم بالخراب و الفوضى الهدامة ، وإنما بالنضال على قاعدة الأهداف الواضحة ؛والتخطيط الاستراتيجي .وقد علمتنا تجارب الشعوب أن صمودها النضالي يثمر نتائجه المرجوة مهما طال الزمن . ولهذا فإن اليسار يلزم أن يؤهل نفسه و أن يكون دائم الاستعداد لقيادة التغيير الديمقراطي .