في أرضية ندوة: المعيقات الفكرية والسياسية للتحديث والدمقرطية، طرح لاشكاليات وتساؤلات مفتوحة(+ فيديو)

نظم فرع الحزب الاشتراكي الموحد لتمارة يوم الخميس 16 ماي 2019 ندوة حول موضوع:
(المعيقات الفكرية والسياسية للتحديث والدمقرطية في المغرب )

الندوة أطرها الاستاذ احمد عصيد والاستاد محمد حمزة وسيرها الاستاذ حمزة عبد الواحد.
وفيما يلي نص ارضية الندوة

الرفاق الأعزاء،
الحضور الكريم،
مساء الخير، مساء الفكر والسياسة !
لو تقبط أحد “رجال الدين” بموضوعنا الليلة لتحدث عن “أبواب الصلاح” و”محادي الفلاح”
ولو تأبط أحد فقهائنا من أمثال علال الفاسي وأبو بكر القادري وعبد الله كنون بنفس الموضوع لطرحوه على مستوى “الشريعة” و”قواعد الدين”.
والحال أن مشكلهم، جميعا، كهنوت جدد وسلف قدامى، أنهم يضلون حبيسي الماضي ومكبلين بمرجعيات جامدة.
ولهذا تضع أمثالهم، هذه الندوة، جانبا، اليوم !
لأنها، أولا، حددت سقف موضوعها، الجانب الفكري والجانب السياسي من مجموع المعيقات؛
ثم، لأن “معادلة الفقيه والسياسي” لا تهمها، مباشرة، اليوم، إلا إذا أخذنا موضوع الفكر وإكراهاته في معناه الشامل والواسع.
ولذلك أجدد الترحاب وأقول للضيوف والرفاق والإخوة:
مساء الثقافة والسياسة للجميع !
ثم إن لموضوعنا مداخيل شتى تكاد تترادف من حيث المعنى وتتداخل، فمن الممكن أن تقاربه من زاوية اقتصادية واجتماعية وسياسية و(…):
– أسباب التخلف وشروط الإقلاع.
– عوائق التحديث وظروف التجاوز.
– معيقات التحديث وسؤال النهضة والتنوير.
– عجز النخبة الثقافي وعقمها السياسي، الخ
ونحن نحوم حول أسباب عجزنا، قد نبدو متشائمين ! نعم. نحن كذلك. لكن تشاؤمنا هو تشاؤم ذكاء ويقظة المثقف، وكذا تفاؤل وإرادة السياسي والحزبي.
ولتجاوز ما حذر منه، يوما ما، جاك بيرك من “نقص في تحليل” ظواهر المجتمع المغربي الجديدة، حري بنا أن نقف عند بعض المفاهيم الفاصلة، تعريفها، قياس تساوقها وتفاعل بعضها البعض، فضلا عن سياقها التاريخي، وأهمية كل ذلك في الممارسة السياسية والحزبية.
هناك حقا ظواهر عدة ومستجدة تعتمل في أحشاء المجتمع المغربي، يبدو أنها تستدعي وظائف جديدة يتعين على الدولة القيام بها، كما تتصورها وتوعز بها المنظمات المالية والتجارية والإعلامية الدولية المرافقة لحركة العولمة.
ولهذا، فلعل ما تستوجبه قوة هذه التحولات المجتمعية الراهنة وما ترسخه من عوائق معطلة لإرادة التحديث والدمقرطة، هو إعادة النظر في طرق تفكيرنا في المفارقات الكبرى، سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
وأول تلك المراجعات:
– إعادة الاعتبار للأخلاق في السياسة، كشأن عام نبيل.
– إعطاء معنى جديد للسياسة، كتوافق مستمر بين ذهنيات جزئية، تمليها ممارسات الجماعات المستقلة، نسبيا، وتتوحد شيئا فشيئا، عن طريق النقاش الموضوعي والتجارب المستمرة.
ومن أجل هذا وذاك نتوقف عن مفاهيم فاصلة:
– المعيقات/ العوائق/ المعوقات، فهي في كل الحالات والتسميات مثبطات ومحبطات مقارنة مع نماذج مكتملة للمواطنة، حقوقا وواجبات.
فالمعيقات عقبات في وجه التقدم والرقي الحضاري الانساني وحسن تدبير الشأن العام، فهي عبارة عن وضع مستفز ومزعج ومقلق، نتوخى إصلاحه انتسابا لروح العصر، وحتى في غياب الشروط المثالية لذلك الإصلاح، نحاول استنباته، إيجاده باليد أو باللسان أو بالقلب، بل ووجوب القطائع، في حال استعصاء ذلك، على مستوى المجتمع والدولة والثقافة.
وللاستئناس يمكن تعداد بعض المعيقات:
– معوق التقاليد والعادات لدى الشعب العريض، فلا زال المجتمع المغربي حبيس ماضيه.
– ضعف المعرفة بالتقاليد وبالحس التاريخي البنائي/التاريخاني لدى النخب
– مشكل التأويل في الإصلاح وموضوعة الإرث.
– المسؤولية التاريخية عن التخلف / التأخر التاريخي.
– الاستعمار والاستعمار الجديد.
– التبعية لقوى الغرب الامبريالي.
– السلطوية /الاستبداد.
– التقليدانية والابوية الجديدة.
– العبودية الطوعية.
– المسؤولية الذاتية: ألم نتأخر ونُستعمر إلا لأننا كنا قابلين لذلك؟ ما أهمية العوامل الداخلية والخارجية وقوة التواطئات والخيانات والخصومات؟
– أي أسبقية لأي معيق: الفكري أو السياسي لتطور الشعوب، نموها وتنميتها؟ أي تساوق وتفاعل؟
– أي دور للمثقف في تفكيك وتحليل ونقذ أنماط التفكير والسلوك، لإنارة الطريق أمام السياسي، لتغيير الأوضاع وتذييل الصعوبات وتجاوز المعيقات وإحداث القطائع الضرورية؟
– أي علاقة تركيبية – تفاعلية وأي تقسيم مرحلي للأدوار بين المثقف المستقل، من جهة والفاعل السياسي الملتزم في بوثقة الميادين والجبهات؟
– هل انقضى، اليوم، زمن “التفاؤل التاريخي” كما يقول Mink Alain، فيما يخص الاقتراع والانتخاب والديمقراطية والدولة؟ في المركز الغربي، فضلا عن ما هو عليه في الهامش؟
– ما مدى “النكوص الهوياتي” والديمقراطية الشكلية “واللاعقلانية”، عموما، عند الغرب، فضلا عند العرب والمسلمين والبلدان المتأخرة؟
والحال أن هابرماس نفى اكتمال تحقق التحديث، تاريخيا، ومن ثم هشاشة مفهوم الحداثة عند الغرب، وأخرى، عندنا في الشرق والمغرب؟
وهو ما يؤدي بنا إلى ضرورة توضيح الفرق بين كمفهوم الحداثة، مفهوم مستنبط من واقع تاريخي، بعينه؛ ضدا على كل “حداثة خصوصية”، وبالأحرى: “حداثة استثنائية”:
فواقع الحداثة، “كحدث وقع” هو الغرب، أما المفهوم فتكون على مراحل متناسقة ومتطابقة مع الاسترسال التاريخي.
“الحداثة” تعني كواقع تاريخي:
– ثورة اقتصادية / إحياء التراث في الفلسفة والقانون.
– ثورة علمية مبنية على الملاحظة والتجربة والحساب.
– إصلاح ديني موجه ضد الكنيسة واحتكارها تأويل المقدس.
– ثورة فكرية معتمدة أساسا على العقل.
– ثورة سياسية موجهة ضد الإقطاع والكنيسة.
كما أن المفهوم تبلور عبر محطات:
– سلطة الفرد، حريته، تعقله، تدبيره لأموره بنفسه وهيمنته على قوى الطبيعة؛
– مكوناته: الفردانية – العقلانية – الهوية – العلمية أو العلمانية وكذا، الديمقراطية؛
هكذا، فالحداثة أفق ضروري للتجاوز ولتأكيد الحضور في العصر والإسهام في إغناء التجربة الإنسانية والحاجة إلى استنباط دروس التاريخ لمواجهة أسئلة الحاضر وتحدياته؛

فهي استمرار وثورة ديناميكية تختلف من زمن إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى؛
إنها جماع منظومة فكرية تحققت تاريخيا، رغم تحفظ هابرماس، في المجتمع الغربي، بالتحديد، ولم تتحقق لا قبله ولا بعده، في أي تجربة كانت، ولا داعي للبحث عنها في غيره ولا إفادة تذكر من بناء حداثة مغربية خالصة.
كما أن “الديمقراطية الحقة” تنبني على الفرد- التجريبي- العلمي- الحر- المسؤول المتجه نحو المصلحة الوطنية.
نحن هذا المساء أمام أستاذين وفاعلين خبرا مجالي الفكر والسياسة، للحديث عن التحديث الممكن والصعب في المغرب:
الأول من طينة المثقف الحر المستقل والجريء السيد الفاضل عصيد أحمد، الذي لم يبخل يوما عن دعوتنا له.
والثاني، من قلب المؤسسة، الفاعل السياسي الملتزم بمشروع حزبه الجماعي والمتطلع دوما نحو المستقبل: الرفيق حمزة محمد

سنقسم الأدوار/ التدخلات، مرحليا، بين المفكر والسياسي، لما في ذلك من أهمية بيداغوجية، ولما يقتضيه حقلا الممارسة النظرية والسياسية من استقلال نسبي صريح، من جهة، على أمل أن نجد بعذئذ بين الحقلين تقاطعات وتكاملات وتشاملات ضرورية، من جهة أخرى.
والحال أن للرجلان ما يجمعهما حتما في مجال الممارسة، إذ لا سياسية بدون فكر، وإن كانت الأولى من مشمولات الثانية، تغذيها وتتغذى جدليا بها.
ما يجمع ضيفانا العزيزان هو إصرارهما المبدئي المعروف “الدائم” والنسبي، العقلاني والعملي على مقاربة/ ” قول الحق” والدفاع عن “الحق في القول” ووجوب كلام العقل والقوة والمصلحة، ومصارعة الثيران في وضح النهار !
أعطي الكلمة، أولا وقبل كل شيء، للضيف الكريم الأستاذ والحقوقي السيد عصيد أحمد.

تساؤلات على سبيل الختم:

– هل يمكن أن نستشف منطقا للتحديث والدمقرطة وكذا للمرور من التحديث إلى الحداثة ومن الدمقرطة إلى الديمقراطية؟
– أيهما أنجع وأمكن: المرور بالتدرج أم بإحداث القطيعة؟
– هل الذين يطالبون اليوم بالديمقراطية يريدونها فعلا؟
– وهل يسمح أصحاب الحداثة للجميع بدخول الحداثة، اليوم؟
– هل من خوف يذكر على العقائد في نطاق الحداثة؟
– وهل من خوف على السلطة نفسها من الحداثة؟
– هل للتحديث أن يأخذ عندنا نفس المعنى مما هو عليه في الغرب؟

الخميس 16 ماي 2019