يندرج تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد في المغرب في السياق العام لتاريخ محاولات توحيد قوى اليسار الجذري التي امتدت على مدى ثلاثين سنة منذ تشكل أنويته الأولى في أواسط الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي.
إنه الثمرة المباشرة للسيرورة التوحيدية التي كانت قد انطلقت في يوليوز 2000 بين أربع مكونات هي” منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، حركة الديمقراطيين المستقلين و الحركة من أجل الديمقراطية وفعاليات يسارية ” ، وتواصلت منذئذ عبر مرحلة انتقالية توجت في يوليوز 2002 بعقد المؤتمر التأسيسي .
ومن المؤكد أن الإعلان عن الميلاد الرسمي لهذا الحزب لم يكن جوابا عن أسئلة ظرفية طرحها الواقع المغربي في كل أبعاده وتعقيداته ومتاهاته ، وإنما كانت وبالأساس تعبيرا عن اختيار استراتيجي يعتقد اعتقادا جازما أن الحضور الوازن في الحياة السياسية والقادر على ضمان مشاركة فعلية تفتح إمكانية التغيير ، يقتضي الإسهام الفعلي والجاد في بناء الأداة الضرورية واللازمة لمثل هذا الهدف . ولعل هذا ما جعل المكونات السابقة لليسار الاشتراكي الموحد تختار طريق الوحدة الاندماجية ، طريق الحزب الواحد المنفتح و المفتوح أمام باقي القوى اليسارية التي تتقاسم معه نفس المنطلقات ونفس الأهداف وذلك في اتجاه تأسيس الحزب الاشتراكي الكبير من أجل تسريع وثيرة خلق الشروط الضرورية لفرض الخيار الديمقراطي وتجسيده تاريخيا وبمداخله الكبرى السياسية و الدستورية والاجتماعية والثقافية .
ويظهر أن الإرادة القوية التي عملت على تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد كلحظة أساسية من لحظات مشروع الوحدة الكبير لليسار المغربي هي الإجابة التاريخية الممكنة لخلخلة آليات اشتغال النظام السياسي المغربي الذي ظل يعمل و منذ عقود على بلقنة الخريطة السياسية للبلاد وتذرير قواها السياسية بغية الاستمرار في التحكم في كل تحول ممكن أو إفراغه من محتواه الفعلي .
غير أن السؤال عن الحزب ليس فقط سؤالا عن مدى رفضه أو قبوله لواقع سياسي معين دائما بل هو بالأساس سؤال عن مرجعيته النظرية ، وعن
مشروعه المجتمعي المتكامل ، وعن أهدافه المرحلية والبعيدة وكذا الوسائل والأدوات التي تخول له إنجاز كل مهمة من المهام التي يطرحها على نفسه … الخ .
إن المرجعية النظرية في حياة كل حزب سياسي هي الأداة الضرورية لمقاربة الواقع في شموليته وتاريخيته ، وبالتالي لتحديد الأهداف والغايات التي يرغب في إنجازها سواء منها المرحلية أو الإستراتيجية ، وكذا الوسائل والإمكانات لإنجاز كل مهمة ، و من جهة ثانية يمكن اعتبارها الإطار العام الموجه لتحليل ملموس للواقع و مايطرحه من قضايا سواء كانت محلية أو وطنية أو دولية ، إنها الجهاز الكاشف والمحلل للحياة السياسية وأسسها الفعلية وممكنات الفعل فيها من زاوية دعمها أو العمل على تغييرها .
ولقد أثبتت كثير من التجارب السياسية أن كل تغييب أو تهميش للجوانب النظرية يقود لامحالة إلى السقوط في النزعة التجريبية ،والاستسلام لضغوطات اللحظة الآنية،بدون أفق حقيقي،وبالنتيجة،إلى لعجز في كثير من الحالات عن تقديم أجوبة مقنعة وفعلية لأسئلة وقضايا يقتضي فهمها إعادة بنائها من زاوية نظرية محددة .
ولعل انهيار الإتحاد السوفياتي وما رافق ذلك من تضخم مبالغ فيه للخطاب الليبرالي هو ما يجعل سؤال المرجعية النظرية ، لاسيما بالنسبة للأحزاب اليسارية سؤالا ملحا ، فلقد أتخذ منظرو الليبرالية من سقوط ” الاشتراكية السوفياتية” فرصة للإعلان عن نهاية الفكر الاشتراكي ، ويظهر واضحا من هذا الربط الذي يفتقد إلى الحدود الدنيا من الموضوعية ، أنه يهدف في نهاية التحليل إلى التخلص النهائي من هذا الفكر الذي كان ومازال يناقض الفكر الليبرالي على مستوى المشروع المجتمعي ويقدم البديل المتكامل القادر على تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي .
لذا ووعيا منه بهذه الأهمية الكبرى التي باتت تحتلها المرجعية النظرية في العمل السياسي في اللحظة الحالية من تطور النظام الرأسمالي ، فقد جعلها اليسار الاشتراكي الموحد ، ومنذ لحظته التأسيسية في مقدمة اهتماماته واعتبرها من بين الشروط الأساسية لتشكله واستمراريته . إن انحيازه الواضح للطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة ، وإيمانه القوي بالفكر العقلاني والحداثي هو ما حدد اختياره وتبنيه للفكر الاشتراكي .
إن النظام الرأسمالي لايعدو كونه مرحلة من مراحل التطور البشري وليس إعلانا لنهاية التاريخ كما يزعم منظرو الفكر الليبرالي الجديد فعلى الرغم من قوة هذا النظام وقدرته الكبيرة على التكيف مع الأزمات الكبرى و إدارتها لتأمين استمراريته عبر تجديد آلياته وكيفية اشتغاله فإنه مع ذلك يظل سجين توا بثه والتي ليست في النهاية إلا تناقضاته الأساسية مما يجعل عملية معالجتها داخل نسقه العام أمرا مستحيلا . وتتجلى أهم هذه الثوابت أولا في المسألة الاجتماعية التي لم تجد حلها رغم كل التطورات الهائلة ، وثانيا في التعامل الكارثي مع الأرض من خلال مواصلة استنزافها وتدميرها ، وثالثا في الاستقطاب الاقتصادي العالمي الذي يعيق إمكانية تنمية البلدان ” المتخلفة ” ، هذا بالإضافة إلى مارا فق وما يرافق مسيرته من مشاكل كبرى كظاهرة الاستعمار والحروب والعدوان على الشعوب المستضعفة … الخ .
و العولمة التي أصبحت تمثل ظاهرة العصر بامتياز ليست سوى تطورا حصل في هذا النظام ابتداء من العقدين الأخيرين من القرن الماضي . وهي التأكيد الفعلي لتاريخية النظام الرأسمالي ، و تمثل لحظة من اللحظات الكبرى في تطوره حيث يمكن النظر إليها كمرحلة ما بعد الإمبريالية ، وقد تحكمت في قيامها عوامل كثيرة أهمها ثلاثة ، وهي المحددة والحاسمة : يتعلق العامل الأول بالطبيعة التوسعية التنافسية للنظام الرأسمالي ذاته، و الثاني في الثورة العلمية الثالثة وما حققته من إنجازات كبرى في جميع المجالات لاسيما مجالي المعلوماتية والاتصال ، وما رافق هذه الثورة من إعادة نظر في كثير من الأفكار والتصورات وأشكال العمل والعلاقات الاجتماعية وعلاقات القوى … الخ. وأما العامل الثالث فيمكن رصده في فشل ” التجربة الاشتراكية ” باعتبارها كانت تشكل قطبا نقيضا للقطب الرأسمالي.
إن تظافر هذه العوامل قد سرع وثيرة الانتقال إلى مرحلة العولمة ؛ الظاهرة التي تطبع العصر الحالي ، والمتجلية أساسا في السيادة العالمية للاحتكارات الرأسمالية الكبرى متعددة القوميات والمتميزة بقوتها الكاسحة في اتجاه إلغاء كل أشكال الحدود والقيود ، من خلال تجاوز كل الإجراءات الحمائية وإبطال كل القوانين التي تشترط انتشار واتساع مجال المبادلات . إنها شكل جديد من أشكال اشتغال النظام الرأسمالي حيث أصبح العالم معها سوقا واحدة على جميع المستويات والأصعدة من إنتاج وتوزيع وتجارة ومضاربة … الخ ، لقد كانت المشروعات الرأسمالية في الماضي ، وبعد غزوها لأسواق العالم، بحثا عن فائض القيمة أو المواد الأولية مضطرة إلى أن تعود إلى موطنها الأصلي ، غير أن التحول الذي ترسمه وتقوده العولمة جعلها في غنى عن هذه العودة ، فقد انتقلت إلى مستوى المقاولة العالمية التي لم يعد الوعاء الإقليمي للدولة الوطنية قادرا على تلبية مطالبها واستيعاب وثيرة توسعها ، صارت كل نقطة في العالم – ولنقل الكرة الأرضية في كليتهاـ هي المنطلق والنهاية باعتبارها فضاء جيو– اقتصاديا قابلا للاستثمار كلما كان غير مكلف وواعد بمزيد من الأرباح .
مع تحويل العالم إلى سوق واحدة، باتت المقاولة العالمية حاضرة بكل قوتها في السياسة العالمية كذلك، ويعتبر هذا المعطى الجديد من أكبر التحديات التي تواجه الدولة الوطنية كشكل سياسي للمجتمع الرأسمالي . ولم تعد الدولة الوطنية تتحكم في تقرير وصياغة ومراقبة سياستها وتشريعاتها وقيمها الوطنية،بل أصبحت هده المهام والإجراءات من اختصاص أجهزة الرأسمال العالمي كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة والشركات المتعددة الجنسية….وهكذا فالعولمة كقوة اقتصادية جارفة تشتغل وفقا لآليات تسير في اتجاه شل الأركان ” التقليدية ” للدولة عبر تقليص أدوارها ووظائفها السابقة واختزالها في جانب واحد، والذي يتمثل أساسا في الأمن. غير أن الأمر لا يقف عند هذه الحدود؛ فالدولة الوطنية أصبحت تعيش تهديدا دائما من طرف أصحاب رؤوس الأموال، عبر التلويح بسحب أموالهم إذا لم تستجب لمطالبهم الكثيرة وهي في واقع الأمر عودة إلى ما قبل دولة الرفاه، باعتبارها مراجعة شاملة لكل ما حققته الطبقة العاملة والفئات المحرومة من مكاسب
وهكذا فهم يطالبون أساسا بالحصول على البنيات التحتية مجانا، وبإلغاء كثير من الضرائب، وكذا بالتراجع عن التشريعات الضامنة لحقوق العمل … الخ .
إن العولمة كمرحلة من مراحل تطور النظام الرأسمالي لم تخرج هي الأخرى عن تناقضاته الأساسية ؛ فعلى الرغم من التطور التكنولوجي الهائل ، والذي أدى إلى الرفع من وثيرة الإنتاج بصورة غير مسبوقة في التاريخ ، فإنها مع ذلك لم تضع حدا للتفاوت الاجتماعي الصارخ ولم تؤد إلى القضاء على المجاعة والفقر من حياة البشرية ، بل إن العكس هو الذي حصل . فالاقتصاد المعولم ، وعلى قاعدة المردودية والربحية، يسير في اتجاه تقليص اليد العاملة دون إعطاء أية حلول ، تاركا القسم الأعظم من البشرية يواجه مصيرا غامضا قابلا لكل الاحتمالات ، فالأرقام تشير إلى ” أن 358 مليار ديرا في العالم يملكون بمفردهم ثروة تساوي ما يملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة “.
وتكشف علاقة العولمة بالتنمية عن تناقض آخر من تناقضات النظام الرأسمالي ظل عاجزا عن تجاوزه منذ انطلاقته الأولى . ونقصد به الاستقطاب العالمي والذي يقلص إلى حد بعيد من إمكانية نجاح المشاريع التنموية ، ذلك أن الهوة بين تقدم الدول المتقدمة و تخلف الدول النامية مافتئت تزداد وتتسع كلما عبر هذا النظام لحظة من لحظات تطوره ، ولعل هذا ما تشير إليه المعطيات والوقائع الحالية ؛ ذلك أن 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي وعلى 84% من التجارة العالمية ، ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية، ثم إن هذا التفاوت البين بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة حيث تنفرد فئة اجتماعية تشكل الأقلية بالقسم الكبير من الدخل الوطني والثروة القومية ، مما يجعل الأغلبية الساحقة من السكان تعيش كل أشكال الإقصاء والتهميش، إن هذا التفاوت سواء في صورته العالمية أو المحلية يعتبر من أكبر العوائق التي تعترض كل محاولة لتغيير وتقدم أوضاع الدول النامية من أجل خلق مستقبل يحقق كرامة شعوبها ويصون كياناتها .
لا تتجلى العولمة في الأبعاد الاقتصادية والمالية والتجارية والسياسية فحسب ، ولكنها فضلا عن ذلك تملك من القوة والاندفاع ما يجعلها تمتد إلى كافة مناحي الحياة ز و ليس من الغريب أن تتملكها الرغبة القوية في صياغة ثقافة عالمية واحدة تهدف بالأساس إلى خلق النموذج الوحيد في القيم و السلوك والذوق والشعور من أجل صنع كائنات بشرية طيعة منقادة إلى لعبة الاستهلاك . غير أن تحقيق هذا المطلب رهين بتدمير الثقافات المحلية – وهي المهمة التي تضطلع بها الإمبراطوريات الإعلامية العابرة لكل الحدود بما في ذلك الحدود اللغوية لكونها تحمل ثقافة الصورة التي تملك من القدرة أكثر من غيرها على الإغراء والتأثير بسرعة وبسهولة ، الشيء الذي يكشف بشكل أو بآخر عن لديمقراطيتها ، بل وعن عدوانيتها التي تولد أكثر فأكثر أشكالا من المقاومة نكوصية أ وهوياتية تساهم إلى حد بعيد في إعاقة صيرورة النهوض والانتماء الإيجابي للعصر .
إن قيام النظام الرأسمالي على قاعدة المردودية والربحية وعلى خلفية عقلانية أذاتية يجعله لا يقيم اعتبارا ، ليس فقط للإنسان وإنما أيضا للبيئة ، ذلك أنه كلما تطورت وسائل الإنتاج إلا وتصاعدت وثيرة استنزاف الأرض وتدميرها ، وبالتالي السير في اتجاه تحويلها إلى كوكب غير قابل للحياة . كما أن الاستمرار في تطوير الأسلحة وتجريب مفعولها على الشعوب المستضعفة أو تسويق المتجاوز منها عبر خلق بؤر توثر في بعض أنحاء المعمور ، يعتبر من بين المؤشرات الكبرى على أن العولمة تقود العالم نحو الكارثة.
إذا كان منطق الاندفاع نحو تخطي الحدود ورفع الحواجز عن الأموال والسلع والمعلومات …الخ هو المتحكم في ظاهرة العولمة ، فإن هذا المنطق تتعطل آليات اشتغاله بالنسبة لحرية تنقل الناس من بلد إلى بلد لا سيما كلما تعلق الأمر بالهجرة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة . ولعل هذا ما يكشف عنه تعقيد إجراءات قوانين الجنسية والهجرة بشكل متصاعد ، سواء بالنسبة للإتحاد الأوروبي الذي يعمل في الوقت الحاضر على تضييق الخناق على كل هجرة من القارة الإفريقية أو الشرق الأوسط نحو أوربا ، أو بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي باتت بعد أحداث 11 شتنبر تراكم القوانين ، ليس فقط من أجل التقليص من زحف المهاجرين إليها، وإنما أيضا قصد محاصرة كل من تعتبرهم دوما أجانب .
وتنطلق الليبرالية الجديدة ، باعتبارها إيديولوجية النظام الرأسمالي في مرحلة العولمة ، من مجموعة من الأسس قصد إضفاء طابع المشروعية والمصداقية على هذا النظام وتبرير تناقضاته الملازمة له منذ لحظة ظهوره؛ فهده الإيديولوجيا تدعي:
÷ أن الإنسان كإرادة واعية وصانعة للتاريخ قد مات وانتهى،وأن التاريخ قد عرف سقفه ونهايته مع النظام الرأسمالي .
÷ أن الإنسان شرير وعدواني،ميال إلى التملك والسيطرة،وأن الرأسمالية هي القادرة على إشباع هده الحاجات عن طريق قوانين السوق التي هي ” ذات” التاريخ الحقيقية، وأن كل معاندة أو مقاومة لتلك القوانين سيكون مآلها الفشل الدر يع !
÷ أنه يجب إعطاء الأولوية للشأن الاقتصادي على الشأن السياسي في تدبير شؤون المجتمعات ، والدولة تبعا لذلك مطالبة بالانسحاب من ميدان النشاط الاقتصادي ومن مراقبته وضبطه ،وبالتالي تركه يسير وفق قانونه الخاص ، و قطع كل علاقة قد تربطه بما هو إنساني أو اجتماعي أو كل مؤشر قد يشوش على كيفية اشتغاله ويربك إيقاعه الموضوعي .
÷ أن الطبيعة ليست سوى مادة قابلة للاستهلاك ، مادة يمكن أن تضفي عليها براءات الاختراع وتحكمها مقتضيات الملكية الفكرية، ولايهم مادام أن الهدف هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح إن أدى ذلك إلى سلب الشعوب إرثها الثقافي أو تلويث البيئة واجتثاث الغابات والقضاء على التنوع البيولوجي وتدهور البيئة والتصحر وتوسيع ثقب الأوزون وظاهرة الاحتباس الحراري مع كوارثها المناخية وانتشار الأمراض الفتاكة بحياة الإنسان والحيوان على السواء …
إذا كان النظام الرأسمالي كما قد تبين من خلال مراحل و لحظات تطوره يحمل معه كل الأسباب التي تجعله عاجزا عن تقديم الإجابات الفعلية عن الأسئلة التي تطرحها المشاكل والتحديات التي تواجه الإنسانية ، فإن هذا الخلل البنيوي المرافق له منذ انطلاقته لا زال بعيدا عن تسريع نهايته . ولذا فإن التحليل الموضوعي لطبيعة المرحلة يقتضي من اليسار أن يعمل على بناء تصور واضح يفتحه على واقع العصر الذي هو بالأساس واقع العولمة في كل أبعادها وامتداداتها وذلك عبر الاندراج فيه اندراجا إيجابيا عن طريق الإسهام في خلق الشروط الضرورية لكبح الاندفاعات المتوحشة التي باتت هي الميزة الأساسية لهذه اللحظة من لحظات تطور الرأسمالية ، ولكن من دون أن يتنكر اليسار لخياره الإستراتيجي والمتمثل في الاشتراكية كمرحلة لبناء مجتمع خال من كل أشكال الاستغلال والاستبداد والعبودية، ويمكن تفصيل المهام المطروحة على اليسار اليوم في النقط التالية :
1 – الإسهام في تجديد الفكر الاشتراكي وجعله قادرا على الإجابة الفعلية على أسئلة المرحلة وذلك بالابتعاد عن كل النزعات الدوغماتية والإطلاقية، مع مراعاة تنوع وغنى اجتهاداته.
2 – التعامل النقدي مع الفكر الاشتراكي سواء تعلق الأمر بالإسهامات النظرية أو بالتجارب العملية والإسهام في تجديده.
3 – اعتبار الفكر الاشتراكي استمرارا وامتدادا تاريخيا لكل التراث التحرري الديمقراطي الإنساني، يحتوي المكتسبات الليبرالية في مرحلتها الثورية ويتجاوزها نحو ديمقراطية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
4 – تمثل قيم الديمقراطية والحداثة المتمثلة في العقلانية والحرية والمواطنة وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتسامح والاختلاف.
5 – تشجيع الاجتهاد والبحث في التراث والفكر الإسلامي، حتى يتمكن هذا الفكر من المساهمة الإيجابية والفعالة في عملية الانتقال الديمقراطي.
6 – الانخراط في الجبهة العالمية المناهضة للعولمة المتوحشة واعتبار الانتصار الذي حققته الرأسمالية وهيمنتها على العالم ليس نهاية للتاريخ ولا يعني حلا للتناقض في أحشائها .
7 – ضرورة التصدي للحروب التي تعلنها الرأسمالية المعولمة باسم محاربة الإرهاب أو القضاء على أسلحة الدمار الشامل والعمل في نفس الوقت على إشاعة ثقافة السلام والعدالة واحترام الشعوب .
8 – الانخراط في الحركات الاجتماعية والإقرار بالدور الحيوي، والمهم للمجتمع المدني في عملية بناء وحماية الديمقراطية، ومن ثمة ضرورة العمل على تقويته وضمان استقلاليته .
9 – احترام التعدد الثقافي وتأسيس ثقافتنا على قاعدة تمكنها من التطور والتفاعل بمناعة تجعلها قادرة على المقاومة ، وليس انطلاقا من نكوص يوحي بحماية وهمية تؤجل الإجابة عن أسئلة الواقع الفعلية .
10 – التعامل الديمقراطي المتفتح مع مسالة الهوية والاعتراف بكل مكوناتها في أبعادها المتنوعة وعلى قاعدة التفاعل والتمازج لعناصرها الأساسية العربية والإسلام والأمازيغية .
إن الادعاء بتأسيس الحداثة على قاعدة النظام الرأسمالي قد يجعلها كما جعلها في بعض اللحظات ، تتراجع حتى عن شعاراتها التي عرفت طريقها إلى الواقع ، فقد يتم التخلي على المستوى السياسي عن النظام الديمقراطي كما حدث مع الفاشية والنازية ، وقد يتوقف العمل وفقا للتسامح والاختلاف وتفتح الطريق نحو احتلال الشعوب مثل ما حدث مع ظاهرة الاستعمار المباشر أو ما يعرفه العالم اليوم مع أكبر قوة رأسمالية في غزوها لبعض الشعوب بدعوى محاربة ” الإرهاب “. إذا كانت بعض مذاهب ” مابعد الحداثة ” تلتقي أو تنماهى مع الليبرالية الجديدة على أكثر من مستوى، فإن الماركسية كفكر حداثي، وبفعل جوهرها النقدي، تعتقد أن العوامل الكابحة لتطور الحداثة على المستوى الإنساني والاجتماعي ليست نابعة من صلب ذاتها وإنما من طبيعة العلاقة التي تجمعها مع النظام الرأسمالي. من هذا المنطلق وبفضل مناعتها الداخلية التي تجعلها قابلة للانفتاح والتطور والمراجعة الدائمة، يمكن اعتبارها مكسبا تاريخيا لكل الفئات والطبقات الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير والتحرر من كافة الأشكال المعيقة لصيرورة الدمقرطة والتحديث لاسيما في البلدان المتأخرة تاريخيا، لأن مهمتها تكمن في تطوير القوى المنتجة والعمل على تحديث المجتمع كمقدمة ضرورية لبناء الاشتراكية . واليوم، فإن الانتماء إلى العصر من زاوية الفعل فيه بدل الاكتفاء بتلقي نتائجه يمر عبر الانخراط الفعلي والواعي في النضال من أجل المشروع الحداثي، لذا ومن هذا المنطلق يرى اليسار الاشتراكي الموحد أن النضال الديمقراطي الجذري هو البوابة الرئيسية لتحقيق الديمقراطية وتأسيس الدولة الحديثة ، دولة الحق والقانون القائمة على دستور يضمن فصلا للسلط ويجعل من الشعب مصدرا للسيادة والسلطة في اتجاه ضمان الكرامة والحرية والعيش الكريم لجميع المواطنين . تأسيسا على المرجعية الاشتراكية، يعمل اليسار الاشتراكي الموحد على المساهمة في إرساء مجتمع الديمقراطية والمواطنة الذي يعطي أهمية متميزة للعلم ، وانطلاقا من هذا الهدف الإستراتيجي يتمثل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الهوية المغربية كهوية تشكلت عبر مراحل تاريخية متلاحقة تفاعلت خلالها الإبعاد الثقافية الأمازيغية والعربية والإسلامية والإفريقية..الخ،ولقد تركت كل هذه الأبعاد بصماتها في المنطوق اللساني و الطقوس الدينية وأنماط العيش الاجتماعية والمخيل الجماعي .
واليوم، فإن الانتماء إلى العصر من زاوية الفعل فيه بدل الاكتفاء بتلقي نتائجه يمر عبر الانخراط الفعلي والواعي في النضال من أجل المشروع الحداثي ، لذا ومن هذا المنطلق يرى اليسار الاشتراكي الموحد أن النضال الديمقراطي الجذري هو البوابة الرئيسية لتحقيق الديمقراطية وتأسيس الدولة الحديثة ، دولة الحق والقانون القائمة على دستور يضمن فصلا للسلط ويجعل من الشعب مصدرا للسيادة والسلطة في اتجاه ضمان الكرامة والحرية والعيش الكريم لجميع المواطنين .
تأسيسا على المرجعية الاشتراكية، يعمل اليسار الاشتراكي الموحد على المساهمة في إرساء مجتمع الديمقراطية والمواطنة الذي يعطي أهمية متميزة للعلم، وانطلاقا من هذا الهدف الإستراتيجي يتمثل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الهوية المغربية كهوية تشكلت عبر مراحل تاريخية متلاحقة تفاعلت خلالها الإبعاد الثقافية الأمازيغية والعربية والإسلامية والإفريقية..الخ،ولقد تركت كل هذه الأبعاد بصماتها في المنطوق اللساني و الطقوس الدينية وأنماط العيش الاجتماعية والمخيل الجماعي.
وإن كان حزب اليسار الاشتراكي الموحد، انسجاما مع اختياراته الإستراتيجية، يعمل في اتجاه تثبيت ركائز مجتمع منفتح، منتج، عادل و متضامن يحترم التعدد والاختلاف، يضمن حرية الرأي والتعبير، ينظم التباري الديمقراطي في إطار تساوي الفرص، ينمي الموارد البشرية والمادية في إطار الشفافية والمسؤولية، فإنه يقر أن المكونات الثلاثة الأمازيغية والإسلامية والعربية تطبع بشكل كبير التشكل التاريخي المجتمعي والمخيل العام للمغاربة. وقد تأخذ هذه الأبعاد – إن لم تؤسس على قاعدة المواطنة – إشكالا هوياتي، وتدفع للانزلاق نحو التقوقع والانغلاق والإقصاء. لذلك يركز حزب اليسار الاشتراكي الموحد على ثقافة الحداثة باعتبارها حاضنة للعلم كنهج فكري، وللعقلانية كسلوك اجتماعي، وللديمقراطية كترشيد للنشاط الإنساني على أساس نسبية الحقيقة وذلك في اتجاه تقليص مساحة ثقافة الخرافة والشعوذة والجهل، مما يسهم بل يعجل عملية بناء مجتمع المواطنات و المواطنين القائم على رابطة القانون والمناهض للزبونية المشكلة اليوم في المغرب كنظام متكامل لإنتاج ورعاية الفساد وتدمير الكفاءات والموارد وحماية المتسلطين والمنتفعين.
إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد وانطلاقا من موقفه المبدئي من كل توجه هوياتي، الهادف إلى إرساء مجتمع متفتح ومتعدد عوض مجتمع الطوائف، يولي كل الاهتمام للمحاولات الهادفة إلى قراءة النصوص المرجعية من زاوية ما يطرحه العصر من أسئلة قصد جعل الإسلام عنصرا مساهما في تحديث المجتمع وتحريره من وصاية حراس التقليد والتخلف والجمود الفكري .
ويدعم حزب اليسار الاشتراكي الموحد كل الجهود الهادفة إلى رفع الحيف الذي تعرض له المكون الامازيغي من ثقافتنا ، ويعمل على تجسيد ذلك في التشريعات والممارسات الثقافية والاجتماعية.
إن التوجه نحو مجتمع الحداثة هو سعي للانخراط في العصر من بابه الكبير و الفعل فيه من موقع الشريك ، خارج أية تبعية أودونية أو انعزالية.